هل يرتبط مصير الاتفاق النووي بمصير سوريا واليمن؟

https://rasanah-iiis.org/?p=3844

بواسطةحسين عليزاده

كان من بين الانتقادات الشديدة لمعارضي الاتفاق النووي في أمريكا، إسرائيل والسعودية، خلال عملية تشكيل هذا الاتفاق، أن هذا الاتفاق سوف يؤدِّي إلى “اقتدار” إيران، لأن الإفراج عن الأصول الإيرانية المجمَّدة ورفع العقوبات البنكية، والملاحة، 4التأمين، و… يبعث الحياة مرة أخرى في الاقتصاد الإيراني الذي هو في حالة تَداعٍ. وعلى هذا الأساس صرَّح دونالد ترامب، أحد مرشَّحي الرئاسة الأمريكية، بتسميته هذا الاتفاق بـ”الفاجعة”، بأنه سوف يمزِّق هذه الاتفاقية في حالة فوزه.
ولم يظهر مثل هذا الموقف الصريح من هيلاري كلينتون (واحدة من مصمِّمي العقوبات الإيرانية التي قصمت ظهر إيران)، لكن إعراب علي أكبر صالحي عن قلقه في تصريحه الذي قال فيه: “من المحتمَل أن تمرّ على الاتفاقية النووية أيام صعبة، وأنا لا أنكر احتمالية أن الحكومة الأمريكية الجديدة ستحصر الاتفاق النووي بمخاطر”، هو نفسه دليل على القلق الموجود في طهران بخصوص مصير الاتفاق النووي، بغضّ النظر عمَّن سيصبح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وينبغي أن لا نتناسى أن هذه التصريحات والمخاوف حول مصير الاتفاق النووي قد وردت على لسان علي أكبر صالحي في “مجلس العلاقات الخارجية الأوروبية” في لندن، وهذا يزيد تقييمنا لشِدّة قلق طهران بخصوص مصير خُطَّة العمل المشترك.
لكن الشواهد الموجودة التي جعلت شخصًا مثل علي أكبر صالحي، تساوره مخاوف حول مصير الاتفاق النووي في مستقبل الرئاسة الأمريكية الجديدة؟

» جون كيري وأوَّل الشكوك في استمرار الاتفاق النووي
هيلاري كلينتون وجون كيري كوزيرين متتاليين في حكومة أوباما، كانا سببًا، من خلال سباق تتابع، في إنجاح اتفاق نووي مع دولة تعتبر أمريكا “الشيطان الأكبر”، وهذا يعني أن “الجمهورية الإسلامية” من الأساس تشكِّك في نية أمريكا، وهو الأمر الذي صرَّح به خامنئي مرات عدة.
في الوقت نفسه لم تنتهِ فترة حكومة أوباما بعد، وجون كيري هو نفسه يُعَدّ أحد المصممين الأساسيين لخطة العمل المشترك، إلا أنه أدلى بتصريحات يمكن وصفها بأنها “أوَّل الشكوك في استمرار خطة العمل المشترك”، فقد صرَّح لأول مرة رابطًا بين شؤون الاتفاق النووي والدور الإقليمي لإيران في اليمن وسوريا، قائلًا: “ما دامت إيران مشغولة باليمن وتدعم الأسد وحزب الله وتطلق الصواريخ… فإن هذا الأمر سوف يجعل الجهود التي تُبذَل من أجل تقدُّم سريع في الاتفاق النووي، تواجه تعقيدات شديدة”.
إن ما سمَّاه جون كيري “تعقيدات شديدة” في تنفيذ الاتفاق النووي، ليس مستبعَدًا أن يكون هو نفس ما وصفه علي أكبر صالحي بـ”مخاطر تواجه الاتفاق النووي في ظِلّ الحكومة الأمريكية القادمة”، ومِن ثَمَّ، فعلى الأقلّ أحد عوامل المخاطرة بالاتفاق غيرِ قليلِ الأعداء في أمريكا وإسرائيل والسعودية، هو ارتباط مصير الاتفاق النووي بالدوري الإقليمي الذي تلعبه إيران في تطوُّرات الشرق الأوسط، ومنه ما تفعله في اليمن وسوريا.
وينبغي أن لا نتناسى أن اتفاق وقف إطلاق النار في اليمن وسوريا حتى الآن باء بالفشل، في حين أن روسيا متفوِّقة في الهجوم الجوِّي على سوريا، والرياض أيضًا متفوِّقة في الهجوم الجوِّي على اليمن. ونتيجة هذه الهجمات هي تدمير اليمن وسوريا، اللتين تدعم طهران في أُولاهما الحوثيين، وتدعم في الثانية بشار الأسد.
هذا الوضع بالنسبة إلى رؤية المراقبين/الولايات المتحدة الأمريكية، هو دور سلبيّ تلعبه إيران في كلتا الأزمتين بالشرق الأوسط، بحيث لم تكُن تداعياته تدمير المنطقة فقط، بل حجَّم دور أمريكا في المنطقة أيضًا.
بمعنى آخر، ما يُلاحَظ في كلام جون كيري أن جهود أوباما هدفها تكوين سيرة ذاتية مشرِّفة في سياسته الخارجية (ومن بينها إبراز الاتفاق النووي مع إيران)، في حين أن الأزمة السورية واليمنية هي وصمة عار في سيرته الذاتية، وجعلت جهوده في إظهار سياسته الخارجية عقيمة، لأن منتقدي الاتفاق النووي انتقدوا أوباما من البداية، في حين أنه رفع العقوبات عن إيران وسمح لها بالوصول إلى أصولها المجمَّدة، وهذا سيزيد هيمنة إيران على المنطقة.
وعلى أساس نظرة هؤلاء المنتقدين والمعارضين للاتفاق النووي، فإن نظام العقوبات الثقيلة القاصمة للظهر، لم يُغلِق فقط جميع الطرق أمام توغُّل إيران خارج حدودها، بل كان كفيلًا بتدميرها. وعلى أساس هذا الانتقاد امتنع 4 من 6 رؤساء لمجلس التعاون الخليجي (من بينهم السعودية) مُعرِبين عن استيائهم من الاتفاق النووي مع إيران، امتنعوا عن قبول دعوة أوباما للمشاركة في كامب ديفيد في مايو 2015م.
مما لا شك فيه أنه حينما يترك أوباما البيت الأبيض، فإن مركز دولته سوف يضعف بشدة في الشرق الأوسط، وسيقابله تنامي دور روسيا في هذه المنطقة. بمعنى آخر، مفاد كلام جون كيري وزير خارجية أوباما، هو أن ميراث أوباما في الشرق الأوسط لمن سيخلفه، حتى لو كان هيلاري كلينتون، تلعب فيه طهران بجانب موسكو دورًا بارزًا.
ينبغي أيضًا أن لا ننسى أن هيلاري كلينتون المنتمية إلى نفس حزب أوباما ومرشَّحة حزب الديموقراطيين في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، صرَّحت على الرغم من دعمها للاتفاق النووي، بأنها توافق على تطبيق استراتيجية يمكن أن تواجه “السلوكيات السيئة” للحكومة الإيرانية في المنطقة.
بهذا تتضح لنا خبايا، ولو كانت محدودة، من مخاوف صالحي حول مستقبل الاتفاق النووي، ونعلم بذلك لماذا قال عباس عراقتشي في موقف صريح ردًّا على تصريحات جون كيري: “نحن نتعجب من الادِّعاءات المطروحة (من جون كيري)… القضايا المتعلقة بالاتفاق النووي منفصلة تمامًا عن جميع القضايا الأخرى (يعني دور إيران في سوريا واليمن)، وأي ادِّعاء جديد في هذا الصدد غير مقبول”.

» الخلاصة:
ليس من المستبعَد اعتبار تصريحات جون كيري بدايةً لارتباط مصير الاتفاق النووي بمصير سوريا واليمن، اللتين تلعب كليهما إيران دورًا مؤثرًا.
إذا كان هذا التحليل صحيحًا، فعلينا أن ننتظر الرئيس الأمريكي القادم، لنرى هل سيربط كلامه عن سياسته الخارجية بين الاتفاق النووي ودور إيران في المنطقة صراحةً أم لا. إذا حدث ذلك، فبصرف النظر عمَّن سيكون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، سيكون من السهل فهم المخاطر التي توقَّعها علي أكبر صالحي بخصوص الاتفاق النووي في فترة الحكومة الأمريكية القادمة.
مادة مترجمة عن: راديو فردا

حسين عليزاده
حسين عليزاده
دبلوماسي إيراني سابق في فنلندا