هل سيترك رحيل شريف الناتو الإسلامي؟

https://rasanah-iiis.org/?p=7867

بواسطةأحمد قُريشي

إن لم يكُن ذلك صحيحًا، فمن يُريد إخراجهُ إذًا؟ وهل عليه أن يستقيل من التحالف؟ فلنلقِ نظرة في داخل الحملة المُنظَّمة ضدّه، والمصالح الباكستانية المرتبطة بالمسألة.
سردٌ للأحداث مُقنع ولا يُمكن تجاهله، رواية مُقنعة لا يُمكن تجاهلها: الرئيس دونالد ترامب يلتقي قادة 55 دولة مُسلمة في المملكة العربية السعودية. مِن ثَمَّ تبدأ التقارير الإعلامية في باكستان في صياغة خبر ينصّ على أن باكستان ورئيس وزرائِها قد جرى تجاهُلهما خلال القِمَّة. وبعد فترةٍ وجيزة ظهر تقريرٌ آخر يزعم أن قائد الجيش الباكستاني الأسبق المُحتفَى به، والذي يقود القوات المُسلمة الناشئة التي تأتي على غرار قوات الناتو، “يُفكر في الاستقالة” بسبب “تدخل أمريكي”.

تتمثل المُشكلة الوحيدة في هذه الرواية في أنها لا تتّسم بالواقعية وأنها بلا مصدر، أو أن مصدرها غير واضح. ولكن في الحقيقة هذه الرواية قوية، وتأتي بطريقة مُنظَّمة، ووسائل الإعلام الباكستانية هي الوحيدة التي يتُتداول عبرها هذه الحملة، ففي وسائل إعلام الدول المجاورة صمتٌ غريب، كإيران التي ضغطت على إسلام آباد على صعيدٍ رسمي في سبيل منع تعيين الجنرال رحيل شريف.
وليس من المنطقي أن يكون الجنرال المُتقاعد رحيل شريف هو من يقف خلف هذه التسريبات وهو موجود في الرياض، فإن صحت هذه التقارير فإن لكان بعض إشارات وجود خلافٍ بين الجنرال ومضيفيه قد تَسرَّب إلى وسائل الإعلام السعودية أو العربية. كما أن وسائل الإعلام الإيرانية بدورها التي تتبع تمامًا خُطَى الحكومة في ما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية، كانت ستلاحظ ذلك أيضًا، فمن جانبها، مارست إيران الضغط على باكستان بعِدَّة طُرق للتخلي عن مشروع “الناتو الإسلامي”، وفي ابتعادٍ عن الأعراف الدبلوماسية، حشد مبعوثها لدى إسلام آباد وسائل الإعلام الباكستانية علنًا ضدّ قرار الحكومة الباكستانية المُتعلق بتعيين الجنرال.

إذًا ما مصدر هذه التقارير؟
الإجابة عن هذا السؤال هامَّة في الوقت الحالي، لأن الحملة القائمة ضدّ الجنرال لم تعُد جُزءًا من دورةٍ إعلامية اعتيادية، لأنها أخذت تظهر كأنها عملية إعلامية قد يَنجُم عنها شَلُّ قدرة إسلام آباد على اتخاذ قرارات استراتيجية، وتشتيت علاقة باكستان مع الحلفاء والدول الإسلامية والعربية، وخلق توتُّر داخلي مستمرّ.

من أين أتى ذلك الخبر؟
ظهر الخبر حول “تفكير” الجنرال في الاستقالة من التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، أولًا في السادس والعشرين أو السابع والعشرين من شهر مايو، ولكن المصدر غير واضح. وتُشير التقارير المُتضاربة في وسائل التواصل الاجتماعي إلى أن الخبر قد بُثّ هوائيًّا لأول مرة على قناةٍ تليفزيونية غامضة، ومِن ثَمَّ تُدُووِل على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا هو المصدر الذي اعتمده موقع قناة “نيو تي في” في الثامن والعشرين من مايو، واقتبسته لاحقًا في نفس اليوم صحيفة “ديلي باكستان” النسخة العالَمية. أما في اليوم الذي يليه، أي التاسع والعشرين، فنشرت صحيفة “إكسبريس تريبيون” في الصفحات الأولى خبرًا لمصادر غير معلومة أيضًا، يُفيد بأن باكستان تضع “خطوطًا حمراء” بخصوص الانضمام إلى التحالف العسكري الإسلامي. وقد فاقم الخبر الذي نشرته صحيفة “إكسبريس تريبيون” الحيرة والارتباك بسبب ورودها فورًا بعد ورود أول خبرٍ حول الجنرال رحيلي، كما أنها تحتوي على تناقضات تنصّ على أن إسلام آباد قد تترك التحالف، بيد أن المسائل التنفيذية الخاصة بالتحالف تبقى بيد الدول الأعضاء لاتخاذ القرار حيالها.
وفي الثلاثين من مايو نقل موقع “نيوكيرلا” الإخباري الهندي الخبر، مُقتبسًا ما أوردته صحيفة “ديلي باكستان” و”نيو تي في”، ومِن ثَم تُدُووِل الخبر بعد ذلك، إذ أعلن عدد من الوسائل الإخبارية الباكستانية استقالة الجنرال القادمة، نقلًا عن أول ثلاثة مصادر إخبارية باكستانية التي نقلت عِدَّة أوجه للخبر حول الجنرال رحيل شريف و”الخطوط الحمراء” التي وضعتها باكستان.
وعادةً ما تنشر وسائل الإعلام الباكستانية أخبارًا متداوَلة في مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من المصادر على شبكة الإنترنت، إلا أن هذا الخبر تحديدًا لا يمكن تَعقُّب مصدره الأصلي.
مع ذلك تَبيَّن نمط جليّ يُمكن تمييزه في هذه الحملة.
أولًا: كُتب خبر يدّعي أن باكستان في قِمَّة الرياض تجاهلها الرئيس ترامب ثم الملك سلمان الذي -حسبما يقول الخبر- وقف رئيس الوزراء نواز شريف عن إلقاء خطابه.
ثانيًا: كُتِب خبر يقول إن القِمَّة كانت تتّسم بالطائفية، وإن التحالف يُعَدّ تحالفًا سنيًّا لأنه استبعد إيران.
ثالثًا: تداولت وسائل الإعلام الباكستانية فكرة أن واشنطن تتدخل في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، وأن الجنرال الباكستاني سيعمل الآن مع إسرائيل.
رابعًا: خُلط بين التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب وقِمَّة الرياض، التي بدورها خُلط بينها وبين الحرب في اليمن.
هذه مجموعة رائعة من الحُجَج المضادَّة التي يُمكن نظريًّا أن تكون مناورات إعلامية تهدف إلى إثارة الجدل وخلق حالة من الارتباك، وهو الأمر الذي سيُدخِل الحكومة والدولة في حالة من الشلل عند صناعة القرار.
وتَجسَّد هذا الأمر بسرعة مذهلة في وسائل الإعلام الباكستانية، لأن المشهد الإعلامي في باكستان يعيش في حالةٍ من الفوضى، كما أن الحكومات تعتمد إجراءات بدائية في إدارة وسائل الإعلام. وتَفُوق هذه الحملة -التي تنكشف خباياها سريعًا القائمة ضدّ الجنرال شريف وقرارات باكستان الاستراتيجية- قدرات ورؤية أي حكومة باكستانية لتتمكن من التعامل معها.
وتقوم الحملة ضدّ الجنرال شريف على تغيير الحقائق، ويمكن تحديد خمسة تحريفات رئيسية من خلال الأسئلة التالية:
– هل جرى تجاهل باكستان؟
يُحتمل تجاهل ترامب لباكستان، كما يُحتملُ عكس ذلك، إذ إن خطابه لم يذكر جهود مصر أو تركيا أو نيجيريا  في محاربة الإرهاب، وبدلًا من ذلك ركَّز على الدول الأصغر منها، مثل الأردن ولبنان، كما أشار سريعًا إلى الدول المتضررة من الإرهاب، بما في ذلك الهند. لقد كانت باكستان غائبة عن خطابه، إلا أن هذا ليس خروجًا عن سياق التصريحات الأمريكية الأخيرة، ولم يتوقع أحد في إسلام آباد حدوث معجزات.
أما خطاب رئيس الوزراء شريف فإن خمسين رئيس دولة تقريبًا لم يُلقُوا خطاباتهم، بما في ذلك رؤوس دول إسلامية من العيار الثقيل، مثل تركيا وغيرها، وقد اعتذر المضيفون السعوديون فورًا إلى ضيوفهم. ولكن في المجمل حظِيَت باكستان بمقعد أمامي في القِمَّة، كما لقي كل من رئيس الوزراء شريف والجنرال شريف استقبالًا حسنًا من الوفود الأمريكية والإسلامية.
– هل كانت قِمَّة الرياض قمة طائفية؟
لم تُوَجَّه الدعوة إلى إيران، غير أن طهران ليست الدولة الإسلامية الوحيدة ذات الأغلبية الشيعية في العالَم الإسلامي، فهناك العراق وأذربيجان، كما حضر القِمَّة الرئيسان فؤاد معصوم وإلهام علييف ووقَّعا على إعلان القِمَّة، كما تدرس أذربيجان قرار المساهمة في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب. ولم يكُن الرئيسان ليحضرا القِمَّة لو كانت جهدًا طائفيًّا، لأن تدخُّل إيران في شؤون الدول الإقليمية الأخرى لم يكُن القضية الوحيدة في القِمَّة، فقد أخذ تنظيم الدولة الإسلامية ومكافحة الفكر المتطرف الجزء الأكبر من وقت هذه القِمَّة. وستوضح قراءة إعلان القِمَّة هذا الأمر.
– هل تعمل قِمَّة الرياض مع إسرائيل؟
لم يربط إسرائيل أي “تحالُف” مع السعودية أو غيرها من الدول الخمس والخمسين التي حضرت القمة، بيد أن محاولات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليون استمرَّت بجهود قوية، علنًا وخفية، طوال العامين الماضيين، ولكن الرياض تُصِرّ على موقفها حيال الدولة الفلسطينية شريطة تطبيع العلاقات مع إسرائيل. فالخلافات مع إيران لا تغيِّر شيئًا من هذا، لأن هذا هو الموقف الذي أجمع عليه العالَم العربي والإسلامي من خلال جامعة الدول العربية ومنظَّمة التعاون الإسلامي، وكان هذا الشرط المُسبَق جزءًا من البيان الرسمي الذي أُعرِبَ عنه آنفًا في قِمَّة الرياض.
– هل سينضمّ التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب إلى الحرب في اليمن؟
يقود التحالفُ العربي التدخُّلَ العسكريَّ في اليمن ضدّ المليشيات الحوثية بنجاح، بيد أن التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب يُعَدّ مشروعًا أكبر، وليس مُقتصرًا على اليمن، وسيستغرق تجسيده وقتًا طويلًا.
– هل قِمَّة الرياض معاديةً لإيران؟ ولماذا لم تكُن طهران شريكًا في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب؟
أرسل الملك سلمان خلال الخطاب الذي ألقاه في قِمَّة الرياض رسالةَ سلامٍ إلى الشعب الإيراني، قائلًا: “نؤكِّد… احترمنا وتقديرنا للشعب الإيراني”، كما أدان رئيس الولايات المتحدة الطائفية في خطابه، وأشاد بعمل المسلمين، شيعةً وسُنَّة معًا، على التصدِّي لتنظيم الدولة الإسلامية. إذًا فعدم دعوة إيران إلى القمة ومنعها من أن تكون شريكًا في هذا التحالف كان لأسباب سياسية لا طائفية. وفي الوقت الراهن تتعارض إيران مع الدول الإسلامية والعربية الكبرى، فهذه الدول تتّهم إيران بالتدخُّل في شؤونها، ولطالما احتوت الدول العربية إيران في الماضي تحت حكم الرئيس خاتمي والرئيس أحمدي نجاد، إذ رُحّب بهم جميعًا في العواصم العربية، بما فيها الرياض، وذلك في تسعينيات القرن الماضي. غير أن هذه العلاقات الإيرانية مع الدول العربية والإسلامية تدهورت بشكلٍ كبير إبان حكم الرئيس روحاني. وكان خطاب رئيس الوزراء الماليزي أحد أشد الخطابات في القِمَّة، إذ انتقد فيه إيران واتهمها بالتدخُّل في شؤون ماليزيا. أما في باكستان فلايزال التساؤل موضع خلاف حول شبكة “كولبوشان ياداف” التي تُديرها إيران، وتوظيف الأصول في كراتشي، وتجنيد الباكستانيين الفقراء وإرسالهم إلى الحرب في سوريا.
على إيران أن تحسِّن علاقاتها مع الدول الإسلامية والعربية وأن لا تسمح للقوى الخارجية باستغلال ذلك، لأنها تحتاج أيضًا إلى أن تعالج مخاوف هذه البلدان، إذ يُعَدّ ذلك تحدِّيًا للدبلوماسية الإيرانية، وإن كان بإمكانها التفاوض مع القوى الدولية على اتفاق نووي، فإن عليها أن تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الدول المجاورة لها.
وفي ما يتعلق بباكستان، فإن قيادة 41 دولة في التحالف الإسلامي العسكري لصناعة القرار، لهو إنجاز دبلوماسي يعود بفوائد استراتيجية كبرى على المدى البعيد، فالقرار الباكستاني لا يمتّ إلى إيران بصِلَة، في حين أنهُ على حكومة إسلام آباد أن تشجِّع حكومة طهران على أن تشاركها وتساعدها في تحسين العلاقات مع الدول الإسلامية الأخرى وحلّ الخلافات، بيد أنهُ لا يمكننا أن نتحمل مسؤولية القرارات والاختيارات التي تتّخذها السياسات الإيرانية. لقد احترمت باكستان القرار الإيراني المُتمثل في توقيع اتفاقية دفاع مع الهند وقرارها بالتدخُّل في أماكن عدة، وحكومة طهران بدورها ستحترم قرارات السياسات الباكستانية.
المصدر: ديلي باكستان.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

أحمد قُريشي
أحمد قُريشي
كاتب وباحث سياسي