هل ستتكرر الاحتجاجات الأخيرة في إيران؟

https://rasanah-iiis.org/?p=10395

بواسطةحسين باستاني

لقد جعلت تجربة احتجاجات الأسبوع الماضي في إيران معارضي وموالي الحكومة يتساءلون عن احتمالية بروزها في المستقبل، والإجابة عن هذا الاستفسار تحتاج إلى الإجابة عن سؤال مُسبَق: ما الذي حدث حقيقةً خلال الأسبوع الماضي؟ ما الذي جعل أكثر من 70 مدينة في إيران تشهد مظاهرات احتجاجية؟

بغضّ النظر عن التفسيرات التي تقدّمها الحكومة في كونها مجرَّد “مؤامرة أجنبية”، والتي يصعب حتى على مروّجيها تصديقها، فإن تلك المبرِّرات التي قدمتها وسائل الاعلام الرسميَّة تدور أساسًا حول المشكلات الاقتصادية، وقضايا محدَّدة من قبيل أزمة المؤسَّسات الائتمانية وصناديق المتقاعدين وارتفاع أسعار المواد الغذائية والبطالة وغيرها، ولا شكّ في أن هذه المشكلات لعبت دورًا أساسيًّا في حالة الاستياء التي تعمّ شرائح واسعة من الشعب الإيرانيّ، لكن ما حدث مؤخَّرًا أن عددًا غير مسبوق من المدن الإيرانيَّة التحق بركب المظاهرات وأطلق شعارات غير مسبوقة، لهذا تحديدًا يوجد شكّ حقيقي في أن السبب “الأهمّ” وراء هذه المظاهرات معيشي واقتصادي فقط، فحسب رأي كثير من المعترضين فإن تلك العوامل كافة تقود إلى نتيجة واحدة هي “عدم كفاءة الحكّام”، فإلقاء نظرة إلى أكثر من 70 مدينة محرومة شهِدَت احتجاجات طوال الأسبوع الماضي، يشير إلى أن أربعة أخماسها شهِدَت على الأقلّ تَجمُّعًا واحدًا خلال الأشهر الستة الماضية بسبب الأوضاع المعيشية، وفي نفس الوقت إذا نظرنا إلى شعارات المتظاهرين في هذه المدن فسنرى أنها في مجملها سياسية، أي إنها ضدّ مسؤولي النِّظام وسياساتهم!

آفة “اليأس بعد الأمل”
إذا قبلنا الفرضية القائلة بأن دافع الاحتجاجات الأخيرة كان اقتصاديًّا، وإن أخذ منعطفًا سياسيًّا، ظهر سؤال: هل استياء الشعب من الحكّام ظاهرة جديدة؟ بعبارة أخرى: ماذا حدث وكان سببًا في خروج عدد كبير من الشعب الإيرانيّ إلى الشوارع بشكل غير مسبوق، احتجاجًا على مشكلات معيشة طالما كانت موجودة؟ على سبيل المثال: لماذا لم تخرج مثل هذه الاحتجاجات إلى الشوارع في عهد أحمدي نجاد حين كان معدَّل التضخُّم قد وصل إلى رقم غير مسبوق هو 39%؟ إن التوضيح الوحيد لهذه الظاهرة يمكن أن يكون “آفة اليأس بعد الأمل”، وفي الحقيقة يبدو أن ما حدث خلال الأشهر الأخيرة وتَسبَّب في تراكم القوى المحرِّكة للاحتجاجات في كثير من مناطق إيران ليس فقط ذا بعد اقتصادي، بل يأس شرائح واسعة من الشعب من حلّ هذه المشكلات، بخاصَّة بعد حالة الأمل التي ظهرت عقب الاتِّفاق النووي.
على مواقع التواصل الاجتماعي نموذج جدير بالتأمل بخصوص تنامي حساسية عموم الشعب حول القضايا الاقتصادية، هو الاهتمام الكبير بميزانية مؤسَّسات الدعاية التابعة للنظام المُدرَجة ضمن مشروع ميزانية العام القادم، فميزانية هذه المؤسَّسات تُنشَر كل عام في جداول الميزانية، لكنّها قوبلت بحساسية من نوع خاصّ على مواقع التواصل الاجتماعي هذا العام، حتى إن كثيرًا من المراقبين ظنوا أن هذه الجداول تُنشَر للمرة الأولى.
ما تجب ملاحظته أن الرأي العامّ ومستخدمي مواقع التواصل حصلوا على جزء مهم من المعلومات حول الفساد وسوء الإدارة الحكومي من خلال الأسرار التي كان يُفشِيها التيَّاران المتنافسين في الدولة، والتي أقنعت الناس بشكل كبير بعدم كفاءة الحكومة عمومًا، فعلى سبيل المثال وجّه أنصار خامنئي باستمرارٍ تُهَمًا إلى حكومة روحاني بالفساد الاقتصادي، مِمَّا دعا أنصار الحكومة إلى المواجهة بالمثل، وفي نفس الوقت تَحدَّث خامنئي مرات عدة حول عدم كفاءة الهيكل الإداري في الدولة في حلّ المشكلات الاقتصادية، كما أكّد فريق أحمدي نجاد تباعًا “الفساد العامّ” المستشري في أجهزة الدولة.
في مثل هذه الظروف رحّبت وسائل الإعلام التابعة للتيَّار المنافس للحكومة سريعًا بالشعارات المناهضة للحكومة، والتي كانت تُطلَق في بداية الاحتجاجات في مدينة مشهد، ظانِّين أن هذه التطورات الجديدة لا تخرج عن كونها ميدانًا جديدًا للمواجهة بين التيَّارين السياسيين، لكن هذه الشعارات سَرْعان ما استهدفت النِّظام بأكمله، وانتشرت إلى سائر المدن حتى قبل أن تصل الجهات الأمنية إلى آلية مواجهتها، ويبدو أن ارتباك الجهات الأمنية هذا منح المحتجّين جرأة أكبر في جميع المُدن.

أفق الاحتجاجات المعيشية
ما زالت علامات الارتباك بادية على رجال النِّظام الإيرانيّ حيال الأحداث الأخيرة، حتى بعد مرور أكثر من أسبوع عليها، وكثيرون منهم تائهون، فهل يُلقُون باللوم على كاهل المنافسين السياسيين، أم على كاهل الدول الأخرى، أم يركبون موجة هذه الاحتجاجات؟ حتى إن بعض السياسيين ووسائل الإعلام طرحوا هذه الخيارات الثلاثة على فترات زمانية متقاربة.
هذا الارتباك أدَّى حتى اللحظة بالمسؤولين الإيرانيّين إلى توجيه الاتهام إلى وكالة الاستخبارات الأمريكيَّة، وداعش، والموساد، وقنوات تليغرام المعارضة للحكومة، والسعوديَّة، ورضا بهلوي، وقنوات المعارضة في الخارج، ومجاهدي خلق، بضلوعهم جميعًا في الاحتجاجات. بالطبع لدى النِّظام الإيرانيّ إمكانيات مؤثِّرة لمواجهة الاحتجاجات المدنية أمنيًّا والسيطرة عليها، لكنّ الحيلولة دون احتجاجات من النوع الأخير، ليس لها قادة محدَّدون، يمكن أن تكون أكثر تعقيدًا مقارنة باحتجاجات الطبقة المتوسطة السياسية، بخاصَّة إذا لم تلُحْ في الأفق مؤشّرات تدلّ على تقديم تفسير صحيح حول أسباب هذه الأزمة أو تدلّ على أن متخذي القرار أعادوا النظر في سياساتهم.
في ظلّ الظروف الراهنة، يُحتمل بشدة أن لا تمتلك مكوّنات النِّظام الإيرانيّ غير المتجانسةِ القدرةَ على تقليص المصاريف الهائلة لسياساتها المُكلفة، فضلًا عن مصاريف المؤسَّسات التي لا عائد منها، لحلّ مشكلات المواطنين المعيشية، ومِن ثَمَّ تتسبب في تعزيز الشعور باليأس لدى المجتمع من أنّ تَحَسُّنًا ما سيطرأ على الأوضاع.
ما دامت الأرضية مهيَّأة في المجتمع الإيرانيّ، فالمنطق يحكم بأن مزيجًا مكوَّنًا من “الأزمة المعيشية”، و”اليأس من حلّ الأزمة المعيشية”، و”زيادة المعلومات حول الفساد الحكومي”، سيؤدي في المستقبل إلى ظهور احتجاجات جديدة تفاجئ الجميع من حيث زمانها ومكانها واتّساع رقعتها، كما حدث في الأسبوع الماضي.

مادة مترجمة عن موقع “بي بي سي فارسي”


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

حسين باستاني
حسين باستاني
محلل سياسي