مشكلة ترامب الحقيقية مع إيران لا تركيا

https://rasanah-iiis.org/?p=9974

بواسطةمراد يتكن

تضجّ وسائل الإعلام الأمريكية إلى جانب التركية هذه الأيام بخبر محاكمة تاجر الذهب التركي الإيراني رضا ضراب، الذي أقرّ بذنبه حيال انتهاك العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على إيران، ونظرًا إلى انشغال الناس بمعرفة ما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على صلة بعمليات الرشوة التي ادّعاها ضراب أمام محكمة نيويورك، فقد تناسوا حقيقة انتماء المتهَم بالفعل إلى شبكة إيرانية للالتفاف على العقوبات الأمريكية عن طريق الاتجار بالذهب والنفط والغاز، وقد حكمت المحاكم الإيرانية على رئيسه باباك زنجاني سابقًا بالإعدام في إيران بعد عجزه عن تبرير فرق النقص البالغ 2.5 مليار دولار في حسابات الأعمال التجارية التي قام بها لصالح حكومة محمود أحمدي نجاد السابقة.
وكانت هذه القضية بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير بين حليفتَي الناتو أمريكا وتركيا، إذ أثيرت التساؤلات في الغرب حول ما إذا كانت تركيا بدأت تنجرف بعيدًا عن التحالف نحو موقف داعم لروسيا وإيران، وهو ما نفته السلطات التركية نفيًا قاطعًا. وعلى أي حال فإن مشكلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي مع إيران، وتَسبَّب له ذلك في عديد من الاضطرابات، مثل الحاجة إلى إعادة تشكيل فريق الأمن القومي.
وقد نجح ترامب في إقرار قانونه للإصلاح الضريبي في مجلس الشيوخ في الساعات الأولى للثاني من ديسمبر بفضل أصوات الجمهوريين، وبذلك يكون قد وفَّى بأول وعوده الانتخابية الكبرى في الوقت الذي ظهر فيه كأنه قد فقد السيطرة على سياسة واشنطن.
وتزامن ذلك مع وعد انتخابي آخر هو مراجعة الاتِّفاق النووي مع إيران الذي يوحي بنزاع وشيك في الشرق الأوسط، مما يثير مزيدًا من القلق، إذ تسعى الأطراف المعنيَّة إلى وضع حدّ للحرب الأهلية السورية والاضطرابات القائمة في العراق.
وعندما اندلعت الأنباء حول استقالة وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون خلال منتدى حوارات البحر المتوسط (روما 2017) الذي عُقد ما بين 30 نوفمبر و2 ديسمبر، لم يفاجأ سوى قليل من كبار الدبلوماسيين الأوربيين والآسيويين والإفريقيين ممن حضروا المنتدى.
وعلى الرغم من وصف التقارير في وقت لاحق بكونها “وهمية”، فقد بدأ الدبلوماسيون والباحثون في منتدى روما بالفعل في وضع تَكهُّنات مفادها: تعيين رئيس وكالة الاستخبارات المركزية مايكل بومبيو محلّ تيلرسون، في حين يحلّ السيناتور توم كوتون -وهو جمهوري يميني يعتبر من مناصري ترامب- محلّه في رئاسة الوكالة.
وعلّق روبرت مالي -وهو أحد أعضاء مجموعة الأزمات الدولية- عند سؤاله خلال حلقة نقاشية، بأن إيران تمثِّل أحد الصراعات الكبرى في سياسة ترامب الخارجية، وأضاف: “دول الشرق الأوسط تعتقدان أن (باراك) أوباما لم يكُن حازمًا بما يكفي تجاه إيران”، وقال كذلك: “قد تتغير مجريات السياسة إذا كان لدينا أشخاص يتحدثون عن تغيير النظام في إيران مثل بومبيو وكوتون”.
ويمكن أن نستنتج من محاولات ترامب الدؤوب لتغيير الاتِّفاق النووي مع إيران، وجود بواعث أخرى ضدّ إيران عدا تلك المتعلقة بالاتِّفاق النووي، كتغيير النظام فيها، مما يُفضِي إلى التدخُّل الخارجي، وقد فعلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ذلك من قبل في عام 1953، إذ تَمكَّنَت بمساعدة جهاز الاستخبارات البريطاني من الإطاحة برئيس الوزراء محمد مصدق الذي أمّم حقول النفط الإيرانية، وبذلك تمّ التمكين لشاه رضا بهلوي الذي أتاح للأمريكيين والبريطانيين السيطرة على احتياطيات النفط والغاز في بلاده مجدَّدا، ثم أطيح به في عام 1979 في أعقاب الثورة الإيرانية.
وفي ما يتعلق بشؤون الشرق الأوسط، فمن المرجح أن يعتمد ترامب على زوج ابنته جاريد كوشنر الذي سيزور بدوره بعض دول الشرق الأوسط التي هدَّدَت مؤخرًا بضرب قوات الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله الموالين لإيران، إذ إن الردّ على أي تهديد مُحدِق بحدود دولة ما أو شعبها بالمواجهة، حقّ مشروع لأي بلد، بخاصة إذا كان في البلدان المعادية قادة منافسون، وفي هذا الخصوص تعتقد إيران بضرورة محو بعض الدول من طريقها، بخاصة المتحالفة مع الولايات المتحدة.
وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في وقت سابق من اليوم: “المكان الذي نعيش فيه هو خليجنا لا الخليج المكسيكي، فكيف يسألوننا متى ستغادرون؟ والإجابة هي: أبدًا، فهذا موطننا، ولم يكُن الاتِّفاق النووي الذي أبرمناه مع أمريكا الخيار الأفضل لأي منا، ولكنه أفضل ما يمكننا تحقيقه”.
كذلك قالت فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في كلمتها في اجتماع روما، إن الاتحاد الأوروبي يؤيد “استمرار الاتِّفاق”، وقالت إن “الأولوية الرئيسية تتمثل في التنفيذ الكامل لبنود الاتِّفاق، وقد أوضحنا هذه الرسالة لإيران والولايات المتحدة”، وأضافت: “لسنا بحاجة إلى أن نكون أصدقاء، ولكن يمكننا الاتِّفاق على ذلك”. وقد كان لديها وجهة نظر في ما قدمته، ففي الواقع لم يكُن الأتراك والإيرانيون حلفاء مقربين يومًا ما، بل كانوا على العكس من ذلك خصومًا على مرّ التاريخ، إلا أن الحدود بين تركيا وإيران لم تتغير منذ عام 1639، وتُعتبر أقدم الحدود البرية على الأرض على الرغم من التغييرات العديدة في نظامَي كلا البلدين وكثير من بلدان العالم.
وأكّدت يينغ فو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، في خطابها في روما أن الاتِّفاق النووي مع إيران سارٍ بالفعل ويرتبط بشكل غير مباشر مع الصراع الدائر مع كوريا الشمالية.
على الصعيد الآخر، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكثر صراحة في قوله إن “الأمم المتحدة قد أعلنت (في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم 23 نوفمبر) قبل أيام عن امتثال إيران لبنود الاتِّفاق”، وأضاف: ” إذا أصرَّت الولايات المتحدة على تغييرها للاتِّفاق فإن ذلك سيكون انتهاكا لاتِّفاق الأمم المتحدة، وفي حال انسحبت الولايات المتحدة منه فكيف ستنظر كوريا الشمالية إلى هذا المثال؟”.
وفي حال أرغمت الولايات المتحدة إيران على تغيير الاتِّفاق بوصفه سببًا لاندلاع عداء آخر في الشرق الأوسط الذي مزَّقت الحروب أواصره، فستخسر أمريكا كثيرًا من أصدقائها، بخاصة بدعم الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين لإيران.
مشكلات ترامب مع أردوغان ومشكلات الولايات المتحدة مع تركيا خطيرة، ولكنها سياسية، وبمجرَّد تَحسُّن المناخ السياسي يمكن أن تختفي المشكلات الراهنة، ومن ناحية أخرى فإن قضية إيران يمكن أن تزيد مشكلات الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

مراد يتكن
مراد يتكن
كاتب سياسي