لماذا وكيف فاز روحاني؟

https://rasanah-iiis.org/?p=7802

بواسطةمجيد محمدي

هندسة الانتخابات المتبادلة وإقناع الشباب المقاطعين

السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بعد إعلان فوز روحاني هو لماذا وكيف فاز روحاني ولماذا وكيف خسر رئيسي الانتخابات. ما الاستراتيجية والخطط التكتيكية التي اعتمدها المرشحان؟ وكيف حققت الحكومة الفوز وهي التي لم تحقق القسم الأكبر من وعودها، واتهم رئيسها بتزوير أطروحته للدكتوراه من قبل مجموعة من الباحثين وأحد الكتاب، وفي حين أنّ أغلب المؤسسات التي يشرف عليها المرشد كانت تسعى لاقتصار فترة رئيسها على فترة رئاسية واحدة، ولم ينجح رئيسها خلال المناظرتين الأولى والثانية، وفي حين أنّ شرائح متنوعة في المجتمع تشعر بالاستياء من الأوضاع الراهنة في البلاد (عدد سكان مدن الصفيح 20 مليون شخص، وثلثي السكان تحت خط الفقر، وأزمات بيئية، وتنامي في أعداد المشردين، والركود الاقتصادي و6 ملايين عاطل عن العمل)؟
للإجابة عن هذه التساؤلات يجب أن نتطرق إلى مسألتين: الهندسة الانتخابية المتبادلة وإقناع الشباب المقاطعين للانتخابات.

عملية التعلم السياسي
بعد مرور أربعة عقود من عمر النظام وممارسة أنواع الانتخابات تنخرط كافة القوى في هيكلية النظام في هندسة الانتخابات، وهذا الأمر لا يقتصر على الحرس الثوري وبيت المرشد فقط. في التسعينيات كانت المؤسسات التي يشرف عليها المرشد (الأجهزة الأمنية والعسكرية والإعلامية والقضائية) تقوم بشكل رئيسي بهندسة الانتخابات، لكن بالتزامن مع وصول أحمدي نجاد إلى سدة الرئاسة انخرطت الحكومة أيضا في هذه اللعبة، خاصة بهدف استمرار فترة الرئيس إلى فترة ثانية. قامت حكومة روحاني باستنساخ تجربة أحمدي نجاد بالضبط للوصول إلى فترة رئاسية ثانية في انتخابات 2017.

الهندسة الموازية
أثارت هندسة الانتخابات احتجاج الإصلاحيين والمعتدلين في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثانية، وعندما وجدوا بأن هذه الاحتجاجات غير مجدية قاموا أيضا بهندسة الانتخابات من خلال كافة الإمكانات العامة وكل الوسائل المتاحة. إن كانت الأجهزة الإعلامية المقربة للحرس الثوري وبيت المرشد (مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومية، وصحف كيهان وجوان، ووكالات أنباء تسنيم وفارس) قد بذلت جهودا منسجمة ومتواصلة ليلا نهارا للدعاية لصالح رئيسي وقاليباف، ولم تترد في إعداد التقارير وأفلام الحملات الرئاسية لصالح رئيسي، في المقابل، الأجهزة الإعلامية الحكومية (صحيفة إيران وبقية الصحف شبه الحكومية) كانت تروج للحكومة.
كانت مشاركة المرشّح البديل (مرشّح الدّعم) جانبا آخر من هندسة الانتخابات، وهو ما قام به منافسو روحاني وخاتمي في الانتخابات الرئاسية السابقة وباءت مساعيهم بالفشل، لكن الإصلاحيين أشركوا المرشح الداعم لمرشحهم الرئيسي في هذه الدورة ونجحوا في ذلك. كانت قوات البسيج والقوات الأمنية ذوي الملابس المدنية فقط هم الذين يمزقون ويحرقون اللافتات الانتخابية، ولكن اللافتات الانتخابية لرئيسي في أصفهان تم إحراقها أيضا هذه المرة، وإذا كانت المزاعم التي أطلقتها حملة رئيسي بشأن نقص أوراق الاقتراع في عدد من مراكز الاقتراع في مشهد صحيحة، فذلك يعتبر أحد أساليب هندسة الاقتراع التي قامت بها حكومة روحاني.
كما أن أحمدي نجاد قام بعدد كبير من زياراته للمحافظات في 2009 قبل الانتخابات بأيام قليلة، فإن روحاني في 2017 لم يكن يرغب كثيرا في البدء بجولاته إلى المحافظات، ولكنه كثف من زياراته إلى المحافظات مستخدماً المصادر العامة وذلك قبل شهرين من موعد الانتخابات، وكان المسؤولون يروجون ويحشدون قواهم خلال الزيارات إلى المحافظات للمشاركة في المؤتمرات الانتخابية.
وبدأت حكومة روحاني بدفع الرواتب المتأخرة للمزارعين، وتقديم دعم مالي إلى الأفراد الذين تدعمهم منظمة الرعاية الصحية ولجنة الإغاثة، وزيادة رواتب المتقاعدين وموظفي الحكومة، ورفع الدعم المالي الذي يتلقاه الأفراد الذين يتلقون دعما ماليا من منظمة الرعاية الصحية إلى ثلاثة أضعاف، حتى أنه أُعلن عن تقديم الدّعم للمحرومين من الدعم المالي. وبهذا جرى إقناع الشريحة التي يشكل تحسين الوضع المعيشي همها الوحيد إلى حد ما بالمشاركة في الانتخابات. لقد اعتمدت حكومة أحمدي نجاد في 2008 و2009 نفس الأساليب حيث اتُّهِمَت من قبل معارضيها بالتلاعب بالانتخابات.

سقوط آخر
اعتمدت حملة روحاني الرئاسية تقريبا كل الأساليب التي تم اعتمادها من قبل حكومة أحمدي نجاد في2009 لضمان فوزه، وقد أثارت تلك الأساليب احتجاج الإصلاحيين الذين اعتبروها بأنها علائم على تزوير الانتخابات، وتضمنت تلك السياسات القيام بتوزيع الأموال قبل موعد الانتخابات بقليل، وتوزيع صناديق تحتوي على مواد غذائية، وزيارة المحافظات خلال أيام الانتخابات بطائرة حكومية، وجلب موظفي الحكومة إلى مؤتمرات روحاني الانتخابية في المدن، وبهذا انخرط الإصلاحيون والمعتدلون في هندسة الانتخابات غير النزيهة، وممارسة السياسات التي انتهجتها حكومة أحمدي نجاد في 2009، بينما أخذوا يزعمون بأنهم يشاركون في العملية الانتخابية في الجمهورية “الإسلامية” بهدف إحراز تقدم في خططهم الديمقراطية وتطوير المجتمع المدني.

كيفية التعامل مع مقاطعي الانتخابات
كانت حملة روحاني تدرك بأنه لن يتمكن من العودة إلى القصر الرئاسي من خلال القاعدة الانتخابية التي بلغ حجمها 18 مليون مقترعا في الدورة السابقة (51%)، في حين أن هناك احتمال بأن تتراجع هذه الأعداد، إذن، كان روحاني بحاجة إلى كسب بضعة ملايين من المواطنين الذين قاطعوا الانتخابات، وذلك إلى جانب كسب آراء الشريحة المطالبة بتحسين الوضع المعيشي ليتغلب على التيار المنافس. ذكر مقاطعو الانتخابات في 2017 ثمانية أسباب لعدم المشاركة في الانتخابات:
1- يكفينا فترة عقدين لندرك أن النظام غير قابل للإصلاح، وفشل تجربة خاتمي، والفترة الرئاسية الأولى لروحاني خير دليل على ذلك.
2- العملية السياسية التي لا تتيح الفرصة للتجمع وطرح المطالب والمشاكل المتراكمة سوى لمدة أسبوعين خلال فترة الانتخابات التي “لا تجري سنويا”، وتلتزم بالإطار الذي جرى تحديده من قبل النظام، هي عملية إهانة للمجتمع ولو لم يدرك العديد من الناس ذلك؛ وعندما يكون أحد المتنافسيْن الرئيسييْن ذو خلفية أمنية، والآخر قاضٍ جلاد، فإن المشاركة في هذه الانتخابات تؤدي إلى حالة من تطبيع للجريمة والقمع في المجتمع.
3- يجري هندسة الانتخابات في كافة مراحلها في إيران، ولا يمكن للناخب أن يتأكّد من أنّ صوته محفوظ، لأن الانتخابات في “الجمهورية الإسلامية” ليست حرة ولا تنافسية ولا عادلة ولا نزيهة.
4- كل مرشح مختلف عن الآخر، ولكن التباين بين المرشحين يشبه إما الإعدام بالأدوية أو رمياً بالرصاص أو المقصلة؛ لا تؤثر هذه التباينات على مصير الشعب كثيراً. تجر “الجمهورية الإسلامية” المجتمع إلى الانهيار، والمقترعون يريدون إبطاء سرعة هذا الانهيار فقط.
5- لا يملك رئيس السلطة التنفيذية في إيران أي سلطة، فالمرشد الذي لم يجر انتخابه هو من يرسم السياسات الحسّاسة في مجال العلاقات الدولية والسياسات الداخلية والاقتصادية. ولقب “رئیس الجمهورية” هو لقب جميل لكبير الموظفين لدى المرشد.
6- ركزت الانتخابات 2017 على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بينما لا يمكن لأي من المرشحين إحداث تغيير حقيقي في هذا القطاع، ولا يتمثل الاختلاف القائم بينهم سوى حول تحديد من هم المتربّحون ومن هم المتنفّعون، وتنحصر المنافسة الانتخابية بين إمبراطورتي المرشد والحرس الثوري الماليتين من جهة، وإمبراطورية الشركات الحكومية من جهة أخرى، وليس المنافسة بين من يدعم المحرومين ومن يدعم الأثرياء.
7- لا يمكن الدفاع عن أداء روحاني خلال السنوات الأربع الماضية، حتى إنه لم يحقق الحد الأدنى من المطالبات الشعبية، لقد سجلت هذه الفترة ارتفاعاً في أعداد المشردين والتاركين لمقاعد الدراسية، وتدهوراً في وضع إيران البيئي، ولم يشهد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل والمدمنين انخفاضا، أما التوقيع على الاتفاق النووي فقد كان ليحصل حتى بدون وجود روحاني، لأنه مرتبط ببقاء النظام.
8- لم تركز الانتخابات على برامج المرشحين منذ رئاسة أحمدي نجاد، بل يجري تسليط الضوء على الوجوه والشخصيات المترشحة في الانتخابات، ولا يؤدي تغيير الوجوه إلى تغيير السياسات والخطط.
وعلى الرغم من الأسباب المذكورة فإن ملايين الناخبين الذين يعلمون هذه الأسباب ولم يرغبوا في الإدلاء بأصواتهم (في المدن الكبيرة على غرار طهران) توجهوا إلى صناديق الاقتراع وأدلوا بأصواتهم، وتمكنت حملة روحاني الانتخابية من جر القسم الأكبر من الناخبين المقاطعين للانتخابات ولاسيما الشباب منهم إلى صناديق الاقتراع، وذلك بلجوئها إلى ما يلي:
1- الإشارة ولو باختصار إلى الممارسات الإجرامية للنظام خلال الأعوام الـ 38 الماضية (استخدام مصطلحات الإعدام والسجن بشكل مكرر)، وحصر الإجرام في المرشحين المنافسين أمام الذين لم يعيشوا تلك الأحداث.
2- تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة من قبل المرشد (في إشارة إلى شبح الحرب قبل الاتفاق النووي وتقديم معلومات مغلوطة لخامنئي) مما أدى إلى التخفيف من اعتراضات الشباب.
3- جعل الأصوليين، بصفتهم الداعمين الرئيسيين لعمليات القمع والإرعاب، محط سخرية.
4- إيجاد أجواء سرور وابتهاج في المؤتمرات الانتخابية (حتى من خلال استخدام الدي جي الذي تم استنساخ تجربته من قبل حملة رئيسي).
ينبغي الإشارة إلى أن كل تلك السياسات لن تساهم في تحسين الأوضاع في البلاد، لأن روحاني ورفقاؤه كانوا في الدرجة الأولى من ضمن متولي عمليات الإعدام والاعتقال، وثانيا فإن معظم الخطوط الحمراء في نظر المرشد، هي كذلك حمراء بالنسبة لهم ولن يتجاوزوها.
إذا نظرنا إلى نتيجة الانتخابات من منظور قائم على الأحاسيس والعواطف سنجد أن هذه النتيجة هي لا لـ”القاضي الجلاد” وأعوانه الذين يمارسون القمع، وإذا نظرنا إليها من منظور عقلاني فإنها أدت إلى تأخير انهيار المجتمع الإيراني، فتدمير البيئة وزيادة نسبة الجرائم والفقر والبطالة وترك المقاعد الدراسية والإدمان وبقية المشاكل الاجتماعية كلها تدلّ على أن الأوضاع في المجتمع اتجهت نحو الأسوأ. على أية حال، فالفئة المستاءة من الأوضاع الراهنة ومنتقدو الأوضاع الراهنة صوتوا لصالح المرشح الذي يعتقدون بأن انتخابه لن يؤدي إلى أن تصبح الأوضاع أسوأ مما هي عليه.

لماذا خسر رئيسي الانتخابات؟
أعادت الحملات الانتخابية للمرشحيْن رئيسي وقاليباف أحمدي نجاد إلى أذهان معظم الناخبين: الوعود بتحسين الوضع المعيشي والتي لم تؤدّ إلى تحسين الوضع المعيشي للناس حتى في حال تنفيذ تلك الوعود. الكشف عن أمور يعلم بها الشعب من جهة (سوء استخدام السلطة من قبل المسؤولين) والمرشحون أنفسهم متورطين فيها من جهة أخرى، إضافة إلى إثارة التوتر مع العالم بزعم حفظ العزة الوطنية (البرنامج النووي) والتي لاحظ الشعب نتائجها المتمثلة في العقوبات. النزعات الشعبوية لا تنجح دوما خاصة إذا تم فضح أمر الشعبويين بسرعة. الشعب الإيراني لديه ذكرى سيئة تجاه سجل الفساد وهدر 700 مليار دولار من الإيرادات النفطية.
سجلت الحملة الرئاسية لروحاني نجاحا في الدعاية عبر الشبكات الاجتماعية والمناظرات الانتخابية، في الوقت الذي كانت حملة رئيسي أكثر نجاحا في الدعاية عبر المؤسسات الدينية، ووظّف المرشحان المتنافسان خلال حملاتهم الرئاسية في الشوارع كافة قواهما وإمكانياتهما وكانا متعادلين إلى حدا ما، وكان نصيب حملة رئيسي من الدعاية السلبية أكبر من المرشح الآخر، بينما تمكنت حملة روحاني من خلال الشبكات الاجتماعية من تداول الأخبار وتقديم المعلومات بنفس حجم الدعاية الكبيرة التي قام بها معارضو الحكومة (الذين استخدموا الإذاعة والتلفزيون الرسمي للدعاية).

قائد آخر للسفينة؟
في هذه الحالة، هل يمكن مشاهدة ضوء في نهاية نفق روحاني؟ لا تساهم هذه الانتخابات كمثيلاتها في الجمهورية الإسلامية في الانتقال إلى مجتمع ديمقراطي، أو في التمرّس على الديمقراطية والحد من مشاكل المجتمع، ولم ترسم هذه الحملات من الأساس آفاقاً للمستقبل، لأن المرشحين ومنهم روحاني لا يملكون أفقا مستقبليا ولا يفكرون بهذا الموضوع، فبدلاً من أن تتولى حكومة رئيسي عمل هدر الأموال والفساد والتدخل في شؤون الدول الأخرى، تقوم حكومة روحاني بإنجازها بدلاً عنها. في إيران هناك قائد آخر يمسك بزمام السياسة.

مادة مترجمة عن إذاعة فردا

مجيد محمدي
مجيد محمدي
باحث غير مقيم بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية