روحاني والحرس.. وثنائية الاعتدال والانحراف

https://rasanah-iiis.org/?p=3674

بواسطةعلي آفشاري

تزايدت مؤخرًا هجمات قادة الحرس الثوري والقوى السياسية الموالية له على حسن روحاني رئيس الجمهورية بشكل ملموس.
تحليل محتوى خطاب علي سعيدي ممثِّل ولي الفقيه في الحرس، ومحمد علي جعفري قائد الحرس، ومحمد رضا نقدي قائد البسيج، وحسين نجات مساعد الشؤون الثقافية لقائد الحرس، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس، وأفراد على شاكلة سعيد جليلي ممثل القائد في المجلس الأعلى للأمن القومي، يُظهر أن نهج مواجهة الحرس والتيَّار الأصولي المتشدد لحكومة الاعتدال قد دخل مرحلة جديدة.

اتُّهِم روحاني في هذه المرحلة بكل صراحة بـ “التعديليّة”، والعدول عن مبادئ الثورة، وفقًا لتفسير التيَّار المهيمن على السُّلْطة، ومخالفة آراء الوليّ الفقيه، والتعلُّق بالولايات المتحدة والغرب. لقد ادّعى علي سعيدي صراحةً أن روحاني كان قد اتَّخذ من المفاوضات النووية غطاءً لإنشاء علاقة مع الحكومة في أمريكا.
وَفْقًا لزعم سعيدي، فإن الحكومة الأمريكية لها هدف معقَّد في الاتفاق النووي، وكانت تسعى لبسط نفوذها من أجل محو الجمهورية الإسلامية. سعيدي أوضح أن القائد ولَجَ الميدان، وأفسد مؤامرة أمريكا الرامية إلى الاستمرار في سياسة “خطة العمل المشتركة الشاملة” والانتقال إلى خطة 2 و3، وبناءً على أقوال سعيدي التي تعكس وجهات نظر رسمية للحرس، فإن الرؤية التوافقية لحسن روحاني، وخطأ حساباته، بخصوص ما وصفه سعيدي بـ”التعلُّق بالتعامل مع سيّد العالَم”، أوجد بالإجبار قاعدة في الداخل الإيراني من أجل ظهور النفوذ الأمريكي، وما زالت الفرصة مهيَّأة للتضرُّر من هذا الأمر.
حاول جعفري ونجات ونقدي وقاسم سليماني، من خلال توجيه اللوم صراحةً إلى روحاني وظريف، والتشكيك في شخصيتيهما الثوريتين بسبب تبسُّمهما في وجه العَدُوّ، أن يوضحوا أن المكانة الإقليمية للجمهورية “الإسلامية”، وعدم اندلاع حرب حتى الآن، لم يكونا بسبب اعتلاء حكومة الاعتدال للسُّلطة، وإنما نهج المواجهة مع أمريكا في السياسة الخارجية والتحركات العسكرية والدفاعية للحرس هو ما منح النظام قوة الرَّدع.
كانت هجمات سعيد جليلي أكثر صراحةً، واتهم روحاني وكبار رجال الإدارة الآخرين في الحكومة الحالية بأنهم طابور العدو الخامس، إذ وجَّهوا إلى الاقتصاد الوطني ضربات أكثر قسوة من العقوبات بسبب توجيهاتهم الخاطئة. الدعم الواضح من خامنئي لهذا النهج مؤشِّر على التنسيق الموجود في نواة القدرة الصلبة، الذي يستهدف اجتثاث ثقة المجتمع بشكل أكبر بروحاني وخطة حكومة الاعتدال. لم تعُد الهجمات الحادَّة على روحاني وظريف تصدر فقط عن “جبهة استقرار الثورة” والقوى من المستوى المتوسط والأدنى المعروفة باسم “الولائيين”، وإنما نزل الجنرالات كذلك إلى الميدان.
لكن السؤال الجادّ الذي يُطرح على الصعيد السياسي الإيراني، يخصّ الصلة بين هذه التوجُّهات وتزايُد مواجهة الحرس مع روحاني في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2017، هل هذه التحركات تعني سعي الحرس لاختزال فترة حكم روحاني في فترة واحدة، أم أن الهدف الرئيسي تضييق حلقة الحصار على حكومة الاعتدال وإفساد نشاطها بالكامل في الفترة الرئاسية الثانية؟
الردّ على هذا السؤال أمر صعب في ظلّ الأوضاع الحالية والوضعية السياسية المجهولة. مواقف قادة الحرس الكبار وممثل وليّ الفقيه تُظهِر أنهم ينظرون بسلبية شديدة إلى إعادة ترشُّح أحمدي نجاد، وحسب قول سعيدي، يُعتبر هذا الأمر عودةً إلى الماضي، وليس على مستوى الأمة الثورية.
من جهة أخرى لا تُشاهَدُ علامات جديرة بالاهتمام تُشير إلى خطة الحرس لتعزيزهم موقف مرشَّحٍ ما ودعمه.
محلّ نزاع الحرس مع روحاني يكمن في قطاع السياسة الخارجية والتعامل مع الغرب. الحرس المتوافق مع القائد يعتبرون خطة العمل المشتركة الشاملة معاملة نووية مؤقَّتة لها مُدَّة انقضاء، ولا يجب أن تتحول إلى نموذج يُحتذى به، كما أنه يجب أن تستمر سياسة المواجهة الخارجية، وزيادة القدرة الدفاعية والعسكرية في ظلّ ظروف متوترة مع الغرب. على الرغم من أن روحاني لا يسعى للمصالحة مع الغرب، بخاصة الولايات المتحدة، فإنه ينتهج الحد الأدنى من السياسة الخارجية الآيديولوجية، بحيث تكون أولويتها إزالة التوتُّر مع الغرب، لكن الحرس يقدّر أن هذه الرؤية ستخلق تصدُّعات في سياسة “الجمهورية الإسلامية” الخارجية الآيديولوجية المرتكزة على محور “العَدُوّ”.
ميدان النزاع الآخر هو واجهة خطاب “الجمهورية الإسلامية”. لقد ابتعد روحاني قليلًا عن النظرة الكلاسيكية، والحرس قلق من أن تؤدِّي هذه العملية المتزامنة مع النظرة التعديلية للإصلاحيين والحلقة المقربة من رفسنجاني إلى توسعة الصدوع الموجودة داخل النظام، بحيث يصعب أن يسيطر عليها وليّ الفقيه.
في هذه الأجواء، تُعتبر السيطرة على روحاني وتدميره ورؤاه أمام القاعدة الاجتماعية للنظام ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الحرس، ومن هذا المنطلق اجتهدت منابر الحرس أكثر مِمَّا مضى في إظهار أن حكومة الاعتدال ليست جزءًا من النظام، بل تيَّار منحرف يجب السيطرة عليه. خلال الفترة الأولى من رئاسة روحاني، بخاصة قبل إبرام الاتفاق النووي، كانت مصلحة النظام تستلزم عدم إضعاف موقف روحاني، خصوصًا في المفاوضات النووية. لكن الآن لم تختفِ فحسب هذه المصلحة، بل على العكس، فإن نية جازمة يمكن مشاهدتها تعمل على نقل رسالة إلى الخارج مفادها أن موقف روحاني ضعيف.
كذلك ورّطت مواقف قادة الحرس السياسية وتشديد هجماتهم الحكومة أكثر من ذي قبل في النزاعات، وأضعفت قدرتها على تنفيذ برامجها المزعومة.
بالنظر إلى النقاط سالفة الذكر، تتقوى الفرضية القائلة بأن هدف تشديد هجمات الحرس ليس بالضرورة منع تكرار رئاسة روحاني للجمهورية، ويمكن القول إنه على الأقلّ ليس لهذه الرغبة بُعد حاسم. روحاني ليس رجل الحرس المفضَّل، بل يفضِّلون، في حال تهيأت الأجواء المناسبة، أن يترأس السُّلْطة التنفيذية شخصية مقرَّبة منهم.
لكنّ الأوضاع الحالية، بخاصةٍ الوضع السيئ لاقتصاد الدولة، لا تعطيهم مجالًا للتشدُّد وانتهاج أبعد ما لديهم من سياسات. إذا فَسّرنا دعوة خامنئي إلى التخلِّي عن القطبية في المجتمع على أنها انخفاض في حِدَّة المنافسة في الانتخابات المقبلة، فإن توجُّه الحرس الثوري، بخاصة التهديد بالتصدِّي الحازم لمقوِّضي حالة الرضا والإحساس بالأمن التي تسود المجتمع في بيان ذكرى الحرب مع العراق، يسعى لإضعاف روحاني وتقييده أكثر، وبممارسته سياسة الضغوط يضمن عدم المساس بمكانة القوات السياسية التي يدعمها في الحكومة المقبلة، وبانتهاجه سياسة المساومة ينجح كذلك في الحصول على حصة أكبر.
يبدو أن وضع روحاني في مأزق أكثر من ذي قبل سيمهِّد الطريق أمام عملية نقل السُّلْطة التنفيذية إلى تَيَّار على خَطٍّ مُوازٍ مع الحرس الثوريّ. استمرار رئاسة روحاني للجمهورية غير مرحَّب بها بالنسبة إلى الحرس، لكنه لن يكون مشكلة لا يمكن تحمُّلها، فمن خلال النظرة النفعية الموجودة في الأوضاع الحالية لا يبدو أنّ لروحاني المسيطَر عليه أي مزايا جديرة بالاهتمام في نظر النظام. ضعف المعتدلين مقارنة بالحكومة الأولى سيهيِّئ الأرضية الاجتماعية والسياسية من أجل صعود الخطاب الأصولي ذي المحورية الشيعية، وتربية جيل جديد من خُدَّام النظام الذين لا ينتمون إلى أيٍّ من التيَّارين الرئيسيَّين القديمَين.
في هذا المقال محاولة لطرح فرضية مفادها أن تشديد هجمات الحرس هدفها زيادة السيطرة على روحاني، وأن الغاية منها ليست بالضرورة إسقاطه، ومن حيث عدم تَشَكُّل مسرح الانتخابات الرئاسية الثانية عشرة بعد، وأن بعض المتغيرات لم يُفعَّل إلى الآن، لذا لا يمكن الجزم بصِحَّة هذه الفرضية.

المصدر: راديو فردا


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

علي آفشاري
علي آفشاري
محلِّل سياسي إيراني