الترامبية في إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=4392

بواسطةمرتضى كاظميان

يتمخّض -وسيتمخض- عن فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المهمّة تداعيات لا مفرّ منها. التطوُّرات الداخلية في أمريكا لها تأثيرات حتمية على المستوى الخارجي (العالمي)، وذلك بسبب الخصائص والقدرات والطاقات التي تتمتَّع بها أمريكا.
لهذه المسألة الهامَّة (وصول ترامب إلى سُدّة الرئاسة) انعكاسات خاصَّة عندما ننظر إليها في شِقِّها المرتبط بإيران. يمكن توضيح هذا الادّعاء من خلال العلاقات بين طهران وواشنطن خلال العقود الأربعة الأخيرة، وهي عبارة عن التحدِّي والحَنَق الذي استمر طوال العقود الأربعة.
ويبدو أنه يمكن أن نتحدث عن مسار ومفهوم بعنوان “الترامبية في إيران”، وذلك في خِضَمّ الظروف الراهنة (العلاقات الإيرانية الأمريكية التي تدعو إلى التأمُّل)، وبناء على الحدث الهامّ الجديد (فوز ترامب) وفي ظلّ الصراع بين التيَّارات السياسية الأساسية في إيران.

» المقصود بـ”الترامبية” في “الجمهورية الإسلامية”
المقصود من هذه الكلمة هو ظهور أو تصعيد حِدّة العملية السياسية في إيران، الذي هو على صلة وثيقة وذات مغزًى بالتصريحات والأداء السياسي لترامب. أهَمّ خصائص هذا المسار هو: الشعبوية (الخطاب الموجَّه إلى العامَّة)، والعسكرة، ومناهضة السلام، والهروب من الحوار، وخلق حالة من القلق، والنزعة إلى التشويه، وإثارة الجدل، والعصبية وتوجيه الاتهامات، وتوسيع الفجوة القومية، وبَثّ الفُرقة المذهبية.
هذه الخصائص والميزات تشرح التصرُّفات والتصريحات السياسية التي يعتمدها التيَّار السياسي المتشدد في إيران، فهي تقدّم صورة عن “اليمين المتطرف” في “الجمهورية الإسلامية”.
لم تكُن التحرُّكات السياسة والأمنية للتيَّار المذكور وليدة ظهور ترامب في الساحة، ولكنها تأثرت بفوز المرشَّح الجمهوري، ويبدو أن حِدَّتها قد ازدادت. هذا هو الوضع والمسار الذي يمكن تسميته “الترامبية”، والذي هو عبارة عن تصعيد قوى سياسية متشددة حِدّة العملية السياسية على الطريقة الترامبية متأثرةً بفوز المرشَّح المثير للجدل والغريب للجمهوريين في الولايات المتحدة.

» شواهد على الترامبية في إيران
كانت ردود بعض الوجوه البارزة في معسكر اليمين المتشدد في إيران على فوز ترامب وتداعياته تدعو إلى التأمُّل، بغَضّ النظر عن أن فوز ترامب أثار ردودًا واسعة على مستوى النشطاء والمسؤولين السياسيين والصحافة بأطيافها كافَّةً في إيران، بخاصة أننا لاحظنا انعكاس هذا الفوز في خطب الجمعة خلال الأيام القليلة التي تَلَت الانتخابات التاريخية في أمريكا.
حسين شريعتمداري، الذي عيَّنه مرشد الجمهورية الإسلامية ليرأس صحيفة “كيهان” وأحد المعارضين البارزين للاتفاق النووي وحكومة روحاني، اعتبر في مقال له الاتفاق النووي “وثيقةً غير مجدية” و”خسارة محضة”، وقال: “أي إجاز أعظم وأكبر من تمزيق هذه الوثيقة بيد ترامب وتخليص الشعب الإيراني منها؟”.
وكتب شريعتمداري في جريدته: “لماذا لا تتبعون المرشد الأعلى للثورة وتعلنونها بحزم وقوة؟ إذا قام الرئيس الأمريكي بتمزيق الاتفاق النووي فنحن سنحرقه. إذا كان ما ينتج عن الاتفاق النووي هو خسارة محضة -وهو بالفعل كذلك- فلا شك إذًا أنه ينبغي إحراق الاتفاق النووي بعد تمزيقه لتصويب الأمور!”.
كانت التصريحات الحادّة التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية أيضًا حول فوز ترامب ذات مغزى. يمكن اعتبار هذه التصريحات إعادةَ إنتاج واستمرارًا لحلقة التهديدات المفرغة. قال باقري: “هذا الشخص الذي وصل إلى السُّلْطة حديثًا يتفوّه بكلام أكبر من حجمه. كان ترامب يتناول خلال حملته الرئاسية كميات كبيرة من السُّكَّر؛ قال ترامب إنه لو كان رئيسًا للجمهورية في فترة اعتقال البَحَّارة في الخليج العربي لكان تعامل بشكل مختلف مع إيران. إذًا، عليك أن تسأل قيادات قواتك البحرية ماذا كان البحارة يفعلون على متن زوارقهم لدى اعتقال الحرس الثوري لهم”.
هذه التصريحات التي تُعتبر استفزازية قبل أن ينتقل ترامب إلى البيت الأبيض، تدلّ على أن انطلاق جولة جديدة من التهديدات الشفهية والإعلامية والمناورات العسكرية-الأمنية أمر غير مستبعد.
ونشرت مجلة “صبح صادق” التابعة للتيَّار المتشدد الحاكم على الحرس الثوري في افتتاحيّتها: “مع وصول ترامب إلى الرئاسة لن يبقى شيء من الاتفاق النووي بالفعل وسيلفّ الغموض هذا الاتفاق. بذلك يبدو أن السياسة الخارجية، خصوصًا الاتفاق النووي الذي يُعتبر مصدر القوة والورقة الرابحة للحكومة في الانتخابات في العام المقبل، ستتحول رويدًا رويدًا إلى كعب أخيل الحكومة”.
كتبت هذه المجلة حول أهمية “إنشاء جيش الإسلام العالمي” في مواجهة “معسكر الاستكبار الذي محوره الولايات المتحدة”، واعتبرت أن “دخول إيران إلى سوريا جاء بدافع حمايتها”، وأن ذلك “على صلة وثيقة بالمصالح الوطنية”. وتابعت: “حضور إيران في دول محور المقاومة متطابق مئة بالمئة للعرف الدولي”.
شاهد آخر هو جريدة “وطن أمروز”، والتي تعكس آراء المتشددين، إذ انتقدت الاتفاق النووي واعتبرت أن “حكومة روحاني خلال الأعوام الثلاثة الماضية أصيبت بأوهام الشياطين في أرض الأحلام الذهبية التي يعيش فيها بينوكيو (الدمية الخشبية)”، وأضافت: “حان وقت الحساب وإسقاط ستائر النفاق والتزوير في السياسة الخارجية، وحان موعد العودة إلى الأهداف”.
ونقلت وكالة أنباء “فارس” المقربة من القيادات الأمنية الحاكمة للحرس الثوري، عن أحد الخبراء الذين يشاطرونها الرأي: “نحن في الاتفاق النووي كالملك الذي حوصر وقُضِي عليه في لعبة الشطرنج؛ كل ما نفعله في الاتفاق النووي ليس في صالحنا، سواء عملنا بالاتفاق أو انتهكناه، لذلك فإن ترامب هو أفضل خيار لنا للهروب من الاتفاق النووي. إذا مزّق ترامب الاتفاق النووي فسنحرقه أيضًا دون أن ندفع أي ثمن”.

» ترامب.. خطوة تشجع اليمين المتطرف في إيران
بعث فوز ترامب فرحة عارمة في صدور اليمين المتطرف في العالَم، ولم تقتصر الفرحة على زعيمة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا ماريان لوبان التي قالت إن فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية سيعزِّز فرص فوزها في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي من المقرَّر إجراؤها العام المقبل.
لقد أظهر معارضو الحكومة المعتدلة والأصوليون الذين يعتمدون سياسات شعبوية في إيران وهم يناهضون السلام ويتهرَّبون من الحوار، أظهروا أنهم لا يخشون دقّ طبول العداء والإرهاب. ترى هذه الفئة بالتزامن مع ما حدث مؤخَّرا في أمريكا أن فرص فوزهم في الانتخابات الرئاسية في العام القادم (2017) تزايدت، ولايرغب هؤلاء المتشددون في تَبنِّي نظرة واقعية والتفكير في المصلحة في تصرُّفاتهم السياسية.
لقد هيَّأ تعقيد مسألة الاتفاق النووي واستمرار المشكلات الاقتصادية للشرائح الاجتماعية التي تتسلّم الأجور والرواتب، ومن أهم هذه المشكلات البطالة، هيَّأ الظروفَ لإطلاق الشعارات المحبَّبة لدى العوامّ والدعاية لوعود لا يمكن تحقيقها. هذه الظروف تشكِّل تهديدًا لحسن روحاني واستمرار حكومته، بخاصة أنه لم يتمكن من تطبيق جزء من أهمّ وعوده في قطاع التنمية السياسية (منها رفع الإقامة الجبرية عن قادة “الحركة الخضراء”،) وقد يخسر روحاني جزءًا كبيرًا من الأصوات الموالية له في الانتخابات القادمة بسبب ذلك.
مِن ثَمَّ، وكما قالت زعيمة التيَّار اليميني المتطرف في فرنسا، “جعل ترامب المستحيلَ ممكنًا”، فإن اليمين المتشدد في إيران أيضًا يمكنه أن ينظر بمزيد من التفاؤل إلى الانتخابات 2017.

» تداعيات الترامبية في إيران
يمكن القول إن تداعيات الترامبية في الجو السياسي-الاجتماعي في إيران اليوم تتمثل في: ارتفاع نسبة معارضة اليمين المتطرف والمتشددين للاتفاق النووي، وتصعيد وتيرة الانتقادات الموجهة إلى حكومة روحاني بشأن القضايا الاقتصادية، وتصعيد للمناورات والدعايات العسكرية-الأمنية، بخاصة في قطاع الصواريخ، وتعزيز الثقة بين موالي الأسد في الداخل الإيراني من أجل الاستمرار في الدعم العسكري والأمني لدمشق والوجود الإيراني في سوريا، وارتفاع نسبة إطلاق الشعارات الصورية المناهضة للـ”عَدُوّ”، و”الموت” على المنصَّات الرسمية في “الجمهورية الإسلامية”، وزيادة شعارات المتشددين حول انخفاض مستوى الفقر والبطالة، ومتابعة المتشددين في إيران تنمية وتعميق العلاقات بين طهران وموسكو، وتزايد الاحتقان السياسي وعمليات القمع التي تطال نشطاء المجتمع المدني بذريعة مناهضة “العدو”، ومنع “نفوذه” إلى البلاد، وإصرار معارضي الحكومة المعتدلة على ترشيح منافسين لروحاني أكثر من السابق، والدعايات الشعبوية ضدّ سجلّ حكومة روحاني، وارتفاع التحرُّكات السياسية والدعائية للعسكر والمتشددين التابعين للأجهزة الأمنية داخل الهيكل السياسي للسُّلْطة.
لا يمكن غَضّ البصر عن مسألة هامَّة هي أن وجهات النظر المتباينة للشرائح الاجتماعية المنادية بالتغيير والديمقراطية والمدافعة عن حقوق الإنسان ستشكِّل عائقًا هامًّا أمام أهداف ومشاريع المتشددين واليمين المتطرف، وستبقى الطبقة الوسطى المثقفة دومًا جزءًا مهمًّا من هذه المقاومة المدنية.
مادة مترجمة عن “بي بي سي الفارسية”


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

مرتضى كاظميان
مرتضى كاظميان
كاتب و محلل سياسي