الاتفاق النووي يمول فوضى إيران في الشرق الأوسط

https://rasanah-iiis.org/?p=9063

بواسطةمارك دوبويتز

يعود الباحث مارك دوبويتز في مقاله الذي نُشر في موقع “فورين بوليسي” بالزمن إلى الإدارة الأمريكية السابقة، ويستعرض مجموعة من الأحداث الغريبة المتعلقة بملف الأموال التي نُقلت إلى إيران آنذاك.
هل تعمد البيت الأبيض تحويل عشرات المليارات من الدولارات إلى قوات الحرس الثوري الإيرانيّ وحزب الله في لبنان لتمويل الإرهاب في الشرق الأوسط؟
من الناحية النظرية، لم يكُن من المفترض أن يغذّي الاتفاق النووي الإيرانيّ الإمبريالية في إيران أو معاداتها لمحيطها الإقليمي، إلا أن الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري قد قاما بعكس ما وعدا به: فهما يموِّلان بشكل مباشر مشهد الرعب السوري وكذلك الإرهابيين على قوائم المراقبة الأمريكيَّة. وخلال المفاوضات النووية ومنذ التوصُّل إلى اتفاق مع إيران، رفضت الإدارة بشدة مخاوف الكونغرس بأن تخفيف العقوبات سيمول انتهاكات إيران في المنطقة.
كذلك صرَّح مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية جون برينان في يوليو الماضي بأن إيران استخدمت تخفيف العقوبات بشكل واسع لصالح مشروعات التنمية، وقال: “إن الأموال التي تتدفق إلى إيران تُستخدم لدعم عملتها، وتوفير الأموال للإدارات والوكالات، وبناء البنية التحتية”. مِن ثَمَّ فإن سلوك إيران نفسه يقوِّض تعهُّدات الإدارة منذ يوليو 2015، كما صرح الجنرال جوزيف فوتيل، مسؤول القيادة المركزية الأمريكيَّة، بأن إيران أصبحت “أكثر عدوانية منذ التوقيع على الاتفاق النووي”. كما أن طهران وسَّعَت جهودها لتشكيل ميليشيات شيعية في الشرق الأوسط، وواصلت إرسال المساعدات، بما في ذلك الأسلحة الى النظام السوري وميليشياتها في المنطقة وخاصة حزب الله.
ولتحقيق مساعيه، يحتاج النِّظام الإيرانيّ إلى السيولة المالية، وسهولة نقل وتحويل الأموال. ووَفْقًا للجهات العالَمية المعنية بمكافحة غسل الأموال فإن التحويلات النقدية عبر الحدود تُعتبر “إحدى الطرق الرئيسية المستخدمة في نقل الأموال غير المشروعة… وتمويل الإرهاب”.
وعلى ثلاث دفعات في شهري يناير وشباط، نقلت الولايات المتَّحدة مبلغًا قدره 1.7 مليار دولار نقدًا إلى إيران، ظاهريًّا لتسوية مطالبة عسكرية تعود إلى ثلاثين عامًا أمام محكمة المطالبات بين إيران والولايات المتَّحدة. وبما أن الإدارة اضطُرّت أخيرًا إلى الاعتراف تحت رقابة مكثفة من الكونغرس والإعلام، فإن الدفعة الأولى البالغة 400 مليون دولار كانت جزءًا من “تبادل محبوك يتزامن مع إطلاق سراح الرهائن الأمريكيّين”.
وقد رفض أوباما اتهامات الكونغرس بأنه قد أذن بدفع فدية لإيران، وقال أوباما أن “السبب في دفع الأموال نقدًا هو أننا صارمون جدًّا في الإبقاء على العقوبات… ولم نتمكن من ارسال الأموال كحوالات”.
غير أن الرئيس مخطئ، فالأنظمة الأمريكيَّة تُجِيز جميع المعاملات بين النظم المالية الأمريكيَّة والإيرانيَّة المتعلقة بالتسويات في المحاكم، وعلاوة على ذلك أرسلت واشنطن مدفوعات إلى إيران في يوليو 2015 ومرة أخرى في أبريل 2016، مِمَّا دحض بيان الرئيس.
ومن المؤكّد أن البنوك لم توافق على تحويل مبلغ 1.7 مليار دولار بغض النظر عن الضمانات التي حصلت عليها من الإدارة لأن البنوك لديها مخاوف مشروعة من العقوبات والغرامات. إذا كان الأمر كذلك، فهذا يثير سؤالًا مقلقًا: كيف تَلَقَّت طهران مليارات الدولارات خلال قرار تخفيف العقوبات الصادر بموجب كل من الاتفاقيات النووية المؤقتة والنهائية؟
وخلال المفاوضات النووية تَلَقَّى النِّظام الإيرانيّ نحو 700 مليون دولار شهريًّا، وبلغ مجموعها 11.9 مليار دولار بين يناير 2014 ويوليو 2015، من حساباته النِّفْطية الخارجية المقيدة؟
وإذا لم تكُن لتحويل هذه الأموال آلية باستخدام النِّظام المالي الرسميّ، فما الآلية التي استُخدمت لتحويل مبلغ 11.9 مليار دولار؟ وقد اعترف مسؤول كبير بأن “بعض” هذه الأموال أُرسِلَ نقدًا وأن “علينا أن نبحث في كل هذه الطرق الغريبة التي أرسلت من خلالها هذه المخصصات الشهرية”. وهل شملت هذه “الطرق الغريبة” نقل الذهب أو أي آلية مالية أخرى؟ وكم حُوّلَ نقدًا؟ لم تُجِب الإدارة السابقة عن هذه الأسئلة.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، ففي تموز 2016 قدّر مسؤولون أمريكيّون أن إيران قد أعادت “أقلّ من 20 مليار دولار” من أصول مجمَّدة في الخارج كانت قيمتها 100-125 مليار دولار أُرسِلَت كجزءٍ من الاتفاق النووي النهائي. وهل أعيدت هذه الأموال نقدًا وذهبًا؟ وهل كان هذا بالإضافة إلى الـ11.9 مليار دولار؟ لا تزال الإدارة السابقة صامتة.
وإذا لم يكُن في وسع البيت الأبيض إلا أن يأذن بتخفيف العقوبات عن طريق الدفع نقدًا لمبلغ يمكن أن يبلغ -بما في ذلك مدفوعات المحكمة- 33.6 مليار دولار، فإن دفع جزء من ذلك المبلغ نقدًا سيكون أمرًا مذهلًا.
وبدلًا من ذلك، في حال أرسلت هذه الأموال من خلال النِّظام المالي الرسميّ، فإن الإدارة ستكون كاذبة حول سبب اضطرارها إلى إرسال مبلغ 1.7 مليار دولار نقدًا. وإذا استخدمت الحسابات الرسميَّة لإرسال الـ31.9 مليار دولار الأخرى، فلماذا لا تُحوَّل أموال المحكمة إلى حساب إيرانيّ رسميّ في أحد البنوك المركزية الأوروبيَّة، حيث يمكن لطهران تَسَلُّم الأموال لدفع ثمن الواردات الأوروبيَّة الحالية أو غيرها من الاحتياجات الاقتصادية المشروعة؟ كما أن الحرس الثوري سيواجه صعوبة أكثر إذا أراد تخريب هذه الحسابات الرسميَّة بسبب وجود ضوابط مالية للحَدّ من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي شهادته الأخيرة ادَّعى مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن أرسال مبلغ الـ1.7 مليار دولار نقدًا كان ضروريًّا لأن إيران كانت بحاجة إلى مبالغ نقدية لتلبية “احتياجاتها الاقتصادية الحرجة”، في الوقت الذي قام فيه البرلمان الإيرانيّ بتخصيص مبلغ 1.7 مليار دولار لميزانية الدفاع التي يسيطر عليها الحرس الثوري، والتي تضاعفت هذا العام. وقد وصف رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد هذا المخصَّص المالي بـ”المثير للقلق”، وأشار إلى أنه “كلما زادت أموال الجيش الإيرانيّ زادت فاعليته في بسط نفوذه على المنطقة”.
وقال مسؤول آخر في وزارة الخارجية الأمريكيَّة أيضًا إن من شأن الدفع النقدي فقط لا التحويل الإلكتروني -الذي لا يستغرق ثواني- أن يلبِّي احتياجات إيران العاجلة. ومع ذلك، في فبراير 2014 ورد أن بنك اليابان حوَّل 550 مليون دولار لحساب البنك المركزي الإيرانيّ في البنك السويسري كجزء من الاتفاق المؤقَّت لتخفيف العقوبات. فلماذا لم تستطع الإدارة استخدام هذا الحساب المالي الرسميّ؟
أموال طائلة تُدفَع نقدًا لتُنهِي نزاع المبيعات العسكرية الذي دام ثلاثين عامًا وتُفضِي إلى إطلاق سرائح الرهائن الأمريكيّين.
إن رفض الرد على أسئلة الكونغرس حول المليارات التي دُفِعَت نقدًا إلى الدولة الراعية للإرهاب ما هو إلا ادِّعاءٌ لا يمكن تصديقه بأن إيران تستخدم هذه الأموال لصالح شؤونها الداخلية.
ويرفض البيت الأبيض الاعتراف بما هو واضح، وهو أن الاتفاق النووي دفع الولايات المتَّحدة إلى تمويل الإرهابيين والحرب الطائفية والفوضى في الشرق الأوسط.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

مارك دوبويتز
مارك دوبويتز
المدير التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات وخبير في ملف العقوبات المفروضة على إيران