“إيران” تستقطب الشباب بالشعارات الوطنية بعد فشل الشعارات الدينية

https://rasanah-iiis.org/?p=677

سكوت بيترسون – كريستيان ساينس مونيتور
يمر المغني ذو اللحية الطويلة وهو يرتدي سترة وبنطلاً أبيض في قاعة مظلمة بين توابيت الذين قتلوا خلال الحرب الإيرانية العراقية وهي ملفوفة بالعلم.
يردد المغني في الفيديو الذي انتشر في الخريف الماضي أغنية “عندما تحيا بلادي من قطرات دمك”. وحصلت هذه الأغنية على نسبة مشاهدة كبيرة.
تعتبر الشهادة (الموت في سبيل الله) أحد المحاور الذي استند عليه النظام الأيديولوجي في إيران منذ قيام الثورة في العام 1979، غير أن هذا المفهوم فقد بريقه للكثيرين، ولم يعد يحظى باهتمام الشباب في إيران.
لا يعتبر أمير تتلو فناناً عادياً يحمل لواء الثورة، فهو مغني الراب غير المرخص في إيران. يملك تتلو بشعره الطويل والوشم على جسمه قاعدة جماهيرية كبيرة، حيث يتابعه على الآنستقرام مليونان و 400 ألف معجب.
لقد تحول تتلو من نجم البوب اللامع إلى أحد المغنين الداعمين لنظام الحكم في إيران، من خلال المساهمة في تحديث خطاب النظام، والترکيز بشكل أكبر على التوجهات الوطنية، وليس القيم الدينية. وكان المعجبون به شاهدين بحيرة واندهاش على هذا التغيير، إذ مارس تتلو عمله في ظل القيود الثقافية الكبيرة في إيران، حيث تم اعتقاله لفترة.
ويتزامن التحول الذي طرأ على تتلو مع الجهود التي تبذلها الجمهورية الإسلامية لإعادة الشرعية، وجاء مطابقاً والسياسة الثقافية الرسمية للنظام.
يسعى اللاعبون الأساسيون في نظام الحكم الإيراني بدءاً من الحرس الثوري مروراً بصانعي الأفلام الموالين للثورة إلى استقطاب الشباب. تتجه الجمهورية الإسلامية إلى إثارة النزعات الوطنية منذ أكثر من عقد.
يعتقد المحللون أن عوامل عدة على غرار الحرب على داعش، والاتفاق النووي التاريخي في الصيف الماضي، ورغبة المسؤولين في إعادة ثقة الناس، خاصة الشباب بالنظام، أدت إلى التسريع في اعتماد خطاب الوطنية، والاهتمام بالشباب في إيران.
لقد طفت مشكلة عدم ثقة الشباب بالنظام على السطح منذ الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت في 2009.
وكانت محاولات كسب ثقة المواطنين محل اهتمام مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي الذي دعا الإيرانيين حتى الذين لا يقبلون النظام أو لا يقبلونه شخصياً للمشاركة في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في فبراير (شباط).
يقول أمير تتلو في أحد مقاطع الفيديو الذي قدمه لشهداء الحرب (إيران والعراق): “كيف نغني ونكتب لحالات الزعل والمصالحة بين الشباب والبنات، ولا نغني للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الوطن؟”.

في الخلفية… بارجة حربية
لقد لعب تتلو في الفيديو كليب الذي نشره بعيد الاتفاق النووي في الصيف على وتر الكبرياء والمشاعر الوطنية الجياشة للإيرانيين.
أثار هذا الكليب الذي يحمل عنوان “الطاقة النووية” دهشة كافة الأطياف السياسية، إذ حظي بحماية واضحة من الجيش الإيراني، وحصل بموجبها على رخصة للإصدار بمعزل عن القنوات العادية لتكميل الإجراءات.
يغني أمير تتلو في الكليب وهو على سطح سفينة حربية للسلام الذي يعتبره “الضوء الوحيد للطريق الذي يسلكه”، ولـ”الخليج المسلح” حيث يرافقه البحارة المسلحون إلى الميناء. كل ذلك ولم يحصل تتلو على رخصة لإحياء حفلات موسيقية عامة بعد.
وتقول طالبة الدكتوراه في جامعة نيويورك نرجس باجقلي إن المسؤولين الإيرانيين على دراية بالأمر، إذ يحاولون كبح جماح النزعة الوطنية التي تجتاح الشباب في إيران. تدخل هذه الموجة في كل مكان حتى في بيع وشراء عقد فروهر، وتسمية المواليد الجدد بأسماء كانت منتشرة في العصور القديمة.
وتضيف باجقلي التي أصبحت لها علاقات مقربة مع صانعي القرار الثقافي في الجمهورية الإسلامية بسبب قيامها بعشرات البحوث والدراسات: “وصلوا خاصة بعد 2009 إلى استنتاج مفاده أن الرسائل والشعارات المذهبية لا تستهوي الشباب كثيراً، وأنه يجب استخدام المفاهيم الوطنية لإرسال رسائلهم”.

احترام المقاتلين
ويقول تتلو خلال دردشة مكتوبة مع كريستيان ساينس مونيتور حول العرض الذي قدمه في الفيديو كليب على متن البارجة الحربية في البحر: “هذا الكليب يحمل دعوة جديدة يقدمها جيلنا للسلام”.
ويتابع بالقول: “إن الجنود رمز للجيل الجديد، وتحمل غالباً الشعارات التي نرفعها على اللافتات مضامين عن السلام”.
ويضيف: “يكن الشعب والحكومة في كل بلد احتراماً إلى مقاتلي بلادهم. علينا دون شك العمل على تحديث هذه الرسالة”.
وتقول إحدى الشابات التي تخرجت في الجامعة منذ فترة غيربعيدة، حيث تعمل في شركة للدعاية والإعلان في طهران: “إن مفاهيم الشهادة والدين أصبحت بالية للغاية”.
ويقول شاب يبلغ من العمر 24 عاماً لم يرغب في الكشف عن هويته: “يتمتع السيد خامنئي بذكاء كبير. يلعب خامنئي بورقتي الشهادة والدين، ولكنها باتت أوراقاً محروقة. عمَ يتكلم الشباب؟ هم يتكلمون عن الوطن”.
ويتابع بالقول: “يقتبس تتلو أغانيه (من مضامين أخرى). كان تتلو في بداياته الفنية يخوض نضالاً في مواجهة النظام، ولكنه بات أقرب للنظام يوماً بعد يوم”.

المؤمنون الحقيقيون لم يتغيّروا
إن الذين يؤكدون على ضرورة تحول الرسالة التي يحملها النظام الحاكم في إيران لا يعتقدون بالضرورة أن فنانين على غرار تتلو هم أفضل السفراء لإرسال الرسالة الجديدة.
وفي مدينة قم، يقول صحفي محسوب على التيار المحافظ لم يرغب في الكشف عن هويته: “يشكل استخدام قوات بحريتنا، وأسطولنا الحربي الحديث في الأعمال الدعائية سابقة من نوعها”. وإثر ذلك غض الصحفي النظر عن تطبيق فكرته لإرسال مجموعة تضم رجال دين وصحفيين إلى متن البارجة الحربية، لأنه يعتبر أن “المحل الذي يتواجد فيه أمير تتلو لن يكون ملائماً لنا”.
ويتابع: “يؤدي اعتماد مثل هذا النهج لاستقطاب أطياف أخرى على غرار المخرجين، والممثلين، ولاعبي كرة القدم، ومقدمي البرامج التلفزيونية أمام المستشفى الذي أجرى فيه خامنئي عملية جراحية. هذا النهج لا يستقطبنا… لا يستقطب المؤمنين الحقيقيين”.
ويرى أن: “المؤمنين الحقيقيين يدافعون عن البلاد بغض النظر عن الإسلام والثورة.” ويضيف: “يستهدف تبني الاتجاهات الوطنية شريحة أخرى للمجتمع… شريحة لا تريد الإدلاء بصوته”.
يعتبر مجتبى موسوي رئيس تحرير موقع “نكاه إيران” المحسوب على المحافظين أن “أحد أهداف التحول الوطني هو إيجاد حالة من الاتحاد”.
ويرى مجتبى موسوي أن خامنئي “يسعى لإيجاد حل لهذه الإشكالية، ويقدم البلاد على أنها مظلة تجمع القطبين. ما يفعله خامنئي قد لا يندرج في خانة مفهوم الوطنية -حب الوطن- ولكنه يحاول تشكيل جبهة موحدة لمواجهة التهديدات الخارجية”.
تمثل أحد أهداف “متحف الدفاع المقدس” الذي دشنه مؤخراً الحرس الثوري في طهران في حض الشباب على تبني أفكار وطنية يسيطر عليها عنصر الدين. تقدم في هذا المتحف فاكهة الشهادة وهي معلقة على جسر من نسج الخيال، مليء بالأنوار الحمراء، حيث يتدلى من الجسر عشرات الآلاف من السلاسل التي يضعها المقاتلون على الرقبة للتعرف على هوياتهم. يمر الشهداء من هذا الجسر للوصول إلى العالم الآخر.

إيجاد توازن دقيق
تشير اللافتة على مدخل الصالة الأولى إلى أنها تتمحور حول “حفظ الاستقرار، والثبات في الوطن الأم.” تحتوي هذه الصالة على عروض تظهر كيف انحسرت الإمبراطورية الفارسية خلال الألفين عام الماضية، وتشير إلى أن الجمهورية الإسلامية هي النظام الوحيد الذي لن يتنازل عن شبر واحد من أراضي وطننا الحبيب.
تقول المرأة الدليلة التي اصطحبت مجموعة من تلميذات الثانوية اللاتي يرتدين التشادور الأسود: “إن السبب الذي يدفعنا لإظهار ذلك هو أن نثبت لكن أننا تمكننا من الحفاظ على كل شبر من تراب الوطن في أسوأ الحروب”.
وتقول نرجس باجقلي في نيويورك: “يشكل إيجاد توازن دقيق بين الدين والنزعة الوطنية تحدياً يواجهه النظام من أجل التواصل بشكل أكبر مع الإيرانيين”.
وتعتبر مراسم تشييع الجثامين المتبقية من أصل 270 شخصاً ممن قتلوا خلال الحرب مع العراق، والتي تقام في يوليو (تموز) اختباراً لمدى قدرة النظام على استقطاب العشرات من الأفراد من كافة شرائح المجتمع للمشاركة فيها.
وتقول باجقلي وهي على علم بتفاصيل الأحاديث التي دارت بين منظمي المراسم: “يدرك هؤلاء حالة الاستياء الشعبي من الجمهورية الإسلامية”. وتضيف: “تمحور بعض النقاشات الجارية بينهم في الإجابة على سؤال واحد وهو كيف نظهر في هذه المراسم الدعم الشعبي لنا؟ ولذلك قرر المسؤولون إضفاء صبغة وطنية على المراسم”.


 

نقلاً عن موقع “إيرانيو بريطانيا”
+25

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير