مؤتمر باريس.. بداية النهاية لنظام ولاية الفقيه؟

https://rasanah-iiis.org/?p=1850

عبّرت كلمة مريم رجوي زعيمة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق التي ألقتها في افتتاح مؤتمر المعارضة الإيرانية السنوي في الخارج الذي أقيم في باريس عن أسباب توقعها بقرب سقوط النظام الإيراني، حيث قالت: “إسقاط النظام الإيراني بات ممكناً وفي متناول اليد”، مبينة أن أزمات النظام الإيراني تفاقمت بعد تورط نظام ولاية الفقيه في مستنقع الحرب خارج أراضيه. وعلى الرغم من حشد منظمة مجاهدي خلق المعارضة لنظام ولاية الفقيه بإيران قرابة 100 ألف مشارك في فعاليات مؤتمرها السنوي هذا العام تحت دعوة الحرية لإيران المنعقد بباريس، إلا أنه يتبادر إلى الذهن ما الذي يجعل هذا المؤتمر يختلف عن سابقيه، خاصة وأن مجاهدي خلق تعارض النظام الإيراني من الخارج منذ ما يزيد عن ثلاثين عاماً؟ وهل التحرك الحالي للمنظمة بداية شن هجوم من الخارج على النظام الإيراني، أم أنه تعبير عن أزمة الداخل الإيراني شعرت بها معارضة الخارج واعتبرته إشارة البدء للهجوم الحاسم على النظام؟

يتميز مؤتمر المعارضة الإير771000poiانية هذا العام بكثافة حضور الوفود العربية والغربية المشاركة تعبيراً عن الرفض الإقليمي والعالمي لتدخلات النظام الإيراني في دول الجوار، ورفض سياساته الديكتاتورية والمناهضة للحريات، حيث إن النظام الإيراني على مدار السنوات الخمس الماضية أغرته ما عرف بثورات الربيع العربي بالتمدد خارج أراضيه، بداية من التدخلات الإعلامية حتى الوجود العسكري على الأراضي السورية، الذي تقدره بعض المصادر بـ 60 ألف جندي إيراني، فضلاً عن دعم الحوثيين باليمن، والهيمنة على مجريات الحياة السياسية بالعراق، والتحكم في لبنان عبر ذراعه المسمى بحزب الله، وأخيراً الدعوة المباشرة لقيام تمرد مسلح بمملكة البحرين التي أطلقها قاسم سليماني.
بعيداً عن المغازلات الدائرة بين نظام ولاية الفقيه والإدارة الأمريكية أو المهادنة الأوروبية له، هناك حالة من التيقن من أن إيران كنظام مثيرة للقلاقل، ولا تسعى لإقرار السلام العالمي، وأن توجهها هذا في حالة تصاعد مستمر، وإذا لم يتم الوقوف في وجهه حالياً، ستتعاظم تكلفة ذلك في المستقبل القريب، وربما لا يصبح من الممكن إيقافه، وعلى هذا الأساس تنامت المشاركة الدولية في مؤتمر المعارضة الإيرانية هذا العام، مما أضاف زخماً لفعالياته، ودعماً للمعارضة في مسعاها للإطاحة بنظام ولاية الفقيه.
بدت المشاركة الدولية بالمؤتمر واضحة منذ الجلسات التحضيرية التي بدأت يوم الجمعة الماضي بعقد ندوة تحت عنوان: “أزمة الشرق الأوسط ما الحل؟”، التي أدارها فيدال كادراس نائب الرئيس السابق للاتحاد الأوروبي، وتحدث فيها فيليب كروالي مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق، ولعل أبرز ما قيل في هذه الجلسة ما جاء على لسان مارك جينسبرج سفير الولايات المتحدة السابق لدى المغرب، حيث أوضح أن إدارة أوباما والاتحاد الأوروبي فشلا في منع إيران من التدخل في الشرق الأوسط، وعلى الرئيس القادم للولايات المتحدة أن يساعد على إقامة نظام ديمقراطي في إيران.
في الجلسة التحضيرية الثانية التي كانت بعنوان “عام بعد الاتفاق النووي مع إيران”، تحدث فيها ميتشل ريس رئيس مؤسسة “كولونيال و ليامبيرغ” في فيرجينيا، وقال إن “إيران لطالما حاولت أن تفرض حضورها بالقوة عوضاً عن النشاط السلمي”. وأضاف: “كان الهدف من التسوية النووية هو تحويل إيران إلى بلد مسالم يقيم أسس الديمقراطية، لكن هذا لم يحصل”.
إذاً فالسياسات التوسعية العدائية لدى نظام ولاية الفقيه هي التي أدت إلى تلك المساندة الإقليمية والدولية لمؤتمر المعارضة الإيرانية السنوي هذا العام، لكن القول بقرب سقوط نظام ولاية الفقيه لا يكون بالرفض الدولي للنظام، فهو أمر موجود منذ تأسيس الخميني لنظام ولاية الفقيه، واعتماده لسياسة تصدير الثورة، وإن كان تنامي السياسات العدائية لطهران أدى لتعاظم الرفض لها. لكن التغيير يجب أن يكون من الداخل الإيراني.
وهناك عدة ملفات تسهم في التيقن من وجود حالة غليان ورفض للنظام بين معظم طوائف الشعب الإيراني، كان منها ما هو قديم قدم نظام ولاية الفقيه، مثل ملف انتهاكات حقوق الإنسان، إذ سجلت إيران خلال النصف الأول من العام الحالي فقط 700 حالة إعدام، كان أغلبها ضد مسجوني الرأي، فضلاً عن سجل إيران الحافل في تعذيب المسجونين والاعتقال بدون محاكمات، وانتهاك حقوق الأقليات العرقية والدينية.
لكن الجديد الذي يدفع إلى القول بأن نظام ولاية الفقيه يمر حالياً بأزمة فعلية هو فقد الثقة لدى المواطنين الإيرانيين في نزاهة كافة مسؤولي الدولة، بعد فضيحة كشوف مرتبات ومكافآت الحكومة الإيرانية التي أشعلها التيار المحافظ ضد الإصلاحيين، وشملت 950 مسئولاً حكومياً من المحسوبين على التيار الإصلاحي، ورد الإصلاحيون بالمثل، وأعلنوا كشوف أرصدة أقطاب نظام ولاية الفقيه بالبنوك العالمية، بداية من مجتبى ابن خامنئي، ومروراً بعلي أكبر ولاياتي وناطق نروي وغيرهم، ووصولاً إلى كبار آيات الله، بحيث أصبح الحديث عن نصرة المستضعفين في سائر الأرض مدعاة للسخرية والاستهزاء في الشارع الإيراني.
والواقع فإن فضح المرتبات الفلكية لمسؤولي الدولة لم يكن إلا إظهاراً للفساد المتراكم في النظام الإيراني الذي كان المجتمع متأكداً من وجوده، لكن بدون أدلة، الآن لديهم الأدلة بعيداً عن أي تنظير فلسفي أو سياسي، وكأن لسان حالهم يؤكد مقولة “تكتشف الجريمة عندما يختلف اللصوص على الغنيمة”.
ومما يؤكد أيضاً أن نظام ولاية الفقيه يمر حالياً بأزمة فعلية تتمثل في تجدد المقاومة الكردية المسلحة داخل الأراضي الإيرانية منذ شهر مارس الماضي بعد توقف دام 23 عاماً، ويتزعم الحزب الديمقراطي الكردستاني المقاومة الكردية المسلحة داخل إيران بالتعاون مع أحزاب كردية أخرى مثل حزب حياة كردستان “بيجاك” الفصيل الإيراني لحزب العمال الكردستاني، وبالفعل تخوض تلك الأحزاب حرباً ضد نظام ولاية الفقيه منذ ثلاثة أشهر في عدة مدن إيرانية، ومع ارتفاع معدلات القمع الإيراني في إقليمي الأحواز وبلوتشستان، اندلعت عمليات المقاومة بالإقليمين الحدوديين، وهما من الأقاليم ذات الأغلبية السنية.
ولم يقتصر الرفض والرغبة في تغيير النظام الحاكم بإيران على الأقليات العرقية والمذهبية داخل إيران، ففي يوم القدس الذي يدفع فيه النظام الإيراني مواطنيه للخروج في مسيرات تأييد له تحت مسمى مناصرة فلسطين، هتف مواطنو أصفهان الفارسية الشيعية: “اتركوا سوريا وفكروا بنا نحن”، لتعكس كلماتهم مدى تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية بإيران،
فبعد مرور عام من رفع العقوبات الاقتصادية من على إيران، وزيادة حجم الصادرات النفطية، واستردادها لجزء من أرصدتها المجمدة بالولايات المتحدة، وجّهت الأموال المتحصلة من ذلك للحرب في سوريا، ودعم ميليشيات الحوثي باليمن، ولم يشعر المواطن الإيراني إلا بمزيد من العوز والفقر.
وشكّلت حالة الغليان الموجودة بين المواطنين الإيرانيين، سواء لدى الأقليات لقمع نظام ولاية الفقيه لهم، أو لدى الإيرانيين ذوي الأصول الفارسية لتردي الأوضاع الاقتصادية، مع رفض دول الجوار للنظام الإيراني بسبب تدخلاته، وإشعاله للحروب على أراضيها دافعاً قوياً لتحرك المعارضة الإيرانية بالخارج وعقد مؤتمرها في باريس، والذي يمثل بداية النهاية لنظام ولاية الفقيه.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير