سناريوهات هجمات طهران ما بين داعش وترتيبات الداخل الإيراني

https://rasanah-iiis.org/?p=7936

تفاصيل العملية
ضربت العاصمة الإيرانيَّة طهران صباح اليوم الأربعاء السابع من يونيو 2017م عمليات إرهابية استهدفت كلًّا من مقر البرلمان الإيرانيّ في منطقة بهارستان، وضريح الخميني (12 ميلًا جنوبيّ طهران)، وذلك بتوجُّه مجموعتين إرهابيتين، أدخلت الأولى أحد المسلَّحين ببندقية كلاشنيكوف وإطلاق النار عشوائيًّا على الموجودين، ثم تضاربت الأنباء الواردة من الوكالات الإيرانيَّة، فتحدثت عن إصابة مهاجم آخر على يد قوات الأمن الإيرانيَّة في أثناء زرعه عبوة ناسفة، واعتقال امرأة من منفذي الهجوم، ثم أعلن انتحار مهاجم آخر بابتلاعه قرصًا من سم السيانيد، وتفجير آخر لنفسه، وفي نفس الوقت أعلنت عن استمرار الاشتباكات مع المهاجمين، دون إعلان عددهم.

المجموعة الثانية مكوَّنة من أربعة أفراد اقتحموا البرلمان الإيرانيّ مسلَّحين ببنادق آلية ومسدَّسات كولت، وأطلقوا النار على حراس البرلمان وأصابوا ثلاثة، ثم اندفعوا إلى الطابقين الخامس والسادس من مبني البرلمان، وبدأوا بإطلاق النار عشوائيًّا على المارة، دون محاولة اقتحام القاعة الرئيسية للبرلمان التي يجتمع فيها النواب الإيرانيّون في نفس وقت الهجوم. وقد شهد البرلمان الإيرانيّ تجمهر متظاهرين إيرانيّين حوله اعتراضًا على عدم دفع أصل وفائدة ودائعهم في مؤسَّستين ماليتين تابعتين للحرس الثوري هما “كاسبين” و”آرمان”، فضلًا عن تجمهر المعلمين غير المثبَّتين، أي إن البرلمان الإيرانيّ كان يعاني حصار الجماهير الغاضبة على مدار الأسبوع الماضي. وقد أسفر الهجومان عن مقتل 12 وجرح 42 فردًا (قتيل وأربعة جرحى في ضريح الخميني)، مع مقتل كل المشاركين في العملية ما عدا المرأة التي قُبض عليها في عملية ضريح الخميني.
وأعلنت السلطات الإيرانيَّة أن مجموعة إرهابية أخرى قُبض عليها قبل تنفيذ مخطَّطها تزامُنًا مع الهجومين الآخرين، كما تضاربت الأنباء حتى الساعة الثانية عشرة ظُهرًا بين القضاء على المهاجمين واستمرار الاشتباكات في محيط البرلمان. وأعلنت وكالة “أعماق”، الذراع الإعلامية لتنظيم داعش الإرهابي مسؤولية التنظيم عن العمليتين.

“أتظنون أننا سنرحل؟”
تلك هي العبارة التي ظهرت في تسجيل الفيديو الذي بُثّ من داخل عملية الاقتحام للبرلمان الإيرانيّ، لتفرض عددًا من التساؤلات التي لا يمكن تجاهلها: هل كانوا مقيمين في إيران بعلم السلطات الإيرانيَّة وطُلب منهم الرحيل؟ وما دلالة مخاطبة الفرس باللغة العربية؟ هل هي محاولة لإثبات عروبة المهاجم، بخاصَّة أن التحليلات الإيرانيَّة تعتمد على آراء لغويين رجعت لهجة المتحدث في التسجيل إلى منطقة شمال إفريقيا (الجزائر أو تونس)، في حين أن سماع التسجيل يبيِّن صعوبة نطق حرف الظاء لدى المتحدث ونطقه كأنه زاي على نحو “أتزُنُّون”، مع ضم حرف الواو على نحو غير عربيّ، مِمَّا يؤكّد احتمالية كون المتحدث غير عربي.

أسلوب المهاجمين يختلف عن أسلوب داعش


حوي سيناريو تنفيذ العمليتين نقاطًا تختلف عن الأسلوب المعهود لداعش في تنفيذ عملياته الإرهابية، ففي عملية اقتحام ضريح الخميني ابتلع أحد المهاجمين عند محاصرته سم السيانيد ليلقى مصرعه منتحرًا، وهو أسلوب لم يستخدمه إرهابيو داعش من قبل، ويتفق مع أسلوب مجاهدي خلق. الأمر الثاني هو وجود امرأة بين مهاجمي لقبر الخميني. أما في عملية اقتحام البرلمان فنجح المهاجمون في الدخول من بوابات البرلمان، ولم يبدأ الهجوم إلا داخل البرلمان على الرغم من وجود أجهزة كشف المعادن والحراسة المشدَّدة لمبني البرلمان، الأمر الثاني أن داعش يستهدف في عملياته قتل أكبر عدد ممكن، فلماذا ترك المهاجمون القاعة الرئيسية للبرلمان الموجودة في الطابق الأول والتي كان البرلمانيون الإيرانيّون مجتمعين فيها فعليًّا، واتجهوا إلى الطابقين الخامس والسادس حيث المكاتب الخالية في الأغلب؟ وما جدوى اقتحام البرلمان إذا لم يكُن للاستيلاء على القاعة الرئيسية وقتل النواب؟ الأمر الآخر هو اتخاذ أسري داخل البرلمان، سيدتين من زوجات نواب البرلمان. كل هذه التساؤلات تجعلنا نتشكَّك في الرواية الرسميَّة الإيرانيَّة للحادثتين، مع عدم استبعاد احتمالية كون المهاجمين من تنظيم داعش، ومِن ثَمَّ وضع سيناريوهات لانتماءات المهاجمين ودوافعهم بعيدًا عن الرواية الإيرانيَّة الرسميَّة.
من هم المهاجمون وما هي دوافعهم:

السيناريو الأول: انتماء المهاجمين إلى داعش

 يطرح هذا السيناريو تساؤلًا هامًّا: لماذا يقوم بهذه العملية الآن، ومعروف أن إيران لم تتعرض من قبل لهجوم من داعش على عكس جميع دول منطقة الشرق الأوسط؟ هل بين النِّظام الإيرانيّ وتنظيم داعش أزمة أعلن على أثرها داعش الحرب على إيران بعد فترة طويلة من التعاون والتنسيق بينهما؟
التحركات الإيرانيَّة في أفغانستان خلال الشهر الماضي تشير إلى تنسيق روسي-إيرانيّ في أفغانستان، وأن القوات الأفغانية الحكومية ضبطت أسلحة روسية حديثة مع أفراد من حركة طالبان، ووجود مؤشّرات على دعم إيرانيّ لحركة طالبان في الفترة الأخيرة. فهل العملية تمت بإيعاز من أمراء الحرب السابقين في أفغانستان بعد ظهور كل من حكمت يار وعبد الرشيد دوستم من جديد على الساحة الأفغانية، أم أن هناك ضغوطًا روسية لوقف إيران تعاونها مع تنظيم داعش؟

السيناريو الثاني: انتماء المهاجمين إلى المعارضة الإيرانيَّة في الداخل والخارج


هذا السيناريو يربط بين زمن اقتحام البرلمان الإيرانيّ وتصاعد الاحتجاجات الجماهيرية أمام مبني البرلمان الإيرانيّ ورمزية الهجوم على المؤسَّسة التشريعية التي تعتبرها معارضة الداخل أحد الأركان الرئيسة في عملية خداع النِّظام للشعب الإيرانيّ، والهجوم على قبر الخميني الذي يحمل معنى رمزيًّا للنظام الإيرانيّ، وأخيرًا الأسلوب الذي نُفّذ به الهجوم على قبر الخميني وانتحار أحد المهاجمين بسمّ السيانيد واشتراك امرأة في الهجوم، وهي من سمات المعارضة الإيرانيَّة بالخارج في تنفيذ عملياتها، فضلًا عن تعمُّد المهاجمين عدم إطلاق النار على نواب البرلمان الإيرانيّين باعتبارهم أشخاصًا ذوي شعبية في الشارع الإيرانيّ. ويبقى الدافع وراء هجوم المعارضة في ذلك الوقت تحديدًا هو شعورها باقتراب أزمة خلافة خامنئي، واقتراب حدوث صراع على السُّلْطة بين رجال الدين ومؤسَّسة الحرس الثوري، واحتمالية وقوف الجيش في صف رجال الدين ضدّ الحرس الثوري، وتَعرُّض إيران لمرحلة وشيكة من الفوضى والفراغ السياسي، ويؤيِّد هذا الاحتمال كثافة إعلان مجاهدي خلق عن وجودها في الشوارع الإيرانيَّة خلال المنافسات الانتخابية عبر كتابة الشعارات المناهضة للنظام الإيرانيّ على الجدران وتصوير اللافتات المؤيدة لمريم رجوي في الشوارع الإيرانيَّة على حين غفلة من قوات الأمن الإيرانيَّة، مِمَّا يعني وجود مخطَّط لعودة مجاهدي خلق للشارع الإيرانيّ من جديد.

السيناريو الثالث: هجوم مصطنع


يناقش هذا السيناريو الخبرة التاريخية في تعاملات النِّظام الإيرانيّ مع أزماته الداخلية، التي تجعلنا لا نستبعد تنفيذ مثل هذه العمليات الإرهابية العنيفة من فصيل داخل النِّظام للإطاحة بفصيل آخر، ولدينا سابقة تفجير مقرّ حزب الجمهورية الإسلامية عام 1981م في مطلع قيام النِّظام الإيرانيّ، التي راح ضحيتها عشرات من رجال الثورة أنفسهم، وتبعها سلسلة إجراءات رسَّخَت نظام ولاية الفقيه وسيطرة رجال الدين على مناحي الحياة السياسية كافَّةً في إيران. الأمر الثاني الذي يصبّ في احتمالية تنفيذ هجوم مصطنع من النِّظام هو استبعاد تهمة التعاون مع داعش عن إيران، بخاصَّة أن العالَم على وشك اصطفاف كامل ضدّ التنظيمات الإرهابية واتخاذ مواقف حاسمة من كل الدول التي تدعم وترعي الإرهاب، ماديًّا أو إعلاميًّا، ومن ثم تحتاج إيران في الوقت الحالي إلى أن تؤكِّد على المستوى الدولي أنها دولة متضررة من الإرهاب، على الرغم من عدم تَعرُّضها لأي عملية إرهابية على مدار السنوات العشر الماضية على الرغم من مجاورتها للعراق وأفغانستان اللتين تمزِّق أراضيهما التفجيرات بمعدَّل أسبوعي، ووجود قوات إيرانيَّة في سوريا تدّعي محاربة داعش لسنوات، وداعش تمتنع عن تنفيذ هجمات في الأراضي الإيرانيَّة!
مِن ثَمَّ لا يمكن استبعاد وجود سيناريو الهجوم المصطنع سواء لإعادة رسم خريطة التوازنات الداخلية الإيرانيَّة في ظلّ اضطرار المرشد إلى تولية روحاني فترة رئاسية ثانية، أو لتأكيد فكرة أن إيران متضررة من الإرهاب شأنها شأن بقية دول الشرق الأوسط، كما أن ذلك يعطي النظام الحقّ في تشديداته الأمنية، تحسُّبًا لأي أحداث قد تقع من الخارج، أو احتجاجات تقع في الداخل.

الخلاصة
على الصعيد الدولي، لا شكّ في أن إيران سوف تحصل على قدر كبير من التضامن ضدّ الهجومين اللذين أصابا أراضيها، وسوف يستثمر النِّظام الإيرانيّ الهجومين إلى أقصى قدر ممكن، ويسعى لإنكار ارتباطها بالجماعات الإرهابية، وأن الإرهاب لا يستهدفها، وذلك بهدف تراجُع الإدانات الدولية لإيران بدعمها الجماعات الإرهابية، ولو لفترة من الوقت، تستطيع خلالها زيادة التأمين في وجه الاحتجاجات الداخلية، أو حتى أي افتراضات لأحداث خارجية، لكن لا يمكن أن يمحو هذان الهجومان المشكوك في هوية منفذيهما ودوافعهما، التاريخ الإيرانيّ الطويل في دعم الجماعات الإرهابية.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير