مذكِّرات حاجّ إيرانيّ

https://rasanah-iiis.org/?p=3043

المؤلِّف: د.أبو الفضل حاذقي

المحتويات
» مقدِّمة
» نبذة عن الكاتب
» الجزء الأول: مقتل أبو طالب يزدي في مَكَّة وبقية الأحداث
» الجزء الثاني: تحضيرات السفر إلى مَكَّة
» بداية مواجهة الصعوبات
» الجزء الثالث: من الكويت إلى الرياض
» الجزء الرابع (الأخير): التوقُّف في الرياض
» التعاوُن الجماعي

مقدِّمة:
بدأت العَلاقات بين إيران والدولة السعودية الثالثة مبكّرة جدًّا، فقد أرسلت طهران أول سفير لها إلى الكيان الجديد في عام 1928م، أي عندما كان الموحّد يطلق عليه “ملك الحجاز وسلطان نجد”، وقبل إعلان تسمية “المملكة العربية السعودية” بأربع سنوات. كان هذا الاعتراف الإيراني المبكر بالنظام السياسي الجديد في الجزيرة العربية انطلاقة لعَلاقات جيِّدة بين البلدين، تُوِّجَت بزيارة في عام 1932م أجراها الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل لاحقًا) إلى إيران، ضمن ثاني جول خارجية له بعد توحيد المملكة على يد والده الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود. كانت العَلاقات بين الرياض وطهران تسير من حسن إلى أحسن، حتى قام أحد الحُجَّاج الإيرانيين، يُدعَى “سيد أبو طالب يزدي”، في عام 1944م، بعمل اعتبرته الحكومة السعودية محاولة لتدنيس الكعبة المشرَّفة، بينما رأت إيران أن الحاجّ قد تَعرَّض لوعكة صحية فأُصِيبَ بالغثيان وتَصرَّف بشكل قد لا يكون الأمثل، إذ فضَّل الاستمرار في الطواف بدلًا من الخروج لتطهير ملابسه ممَّا وقع عليها من تقيُّؤ، الأمر الذي أدَّى في نهاية المطاف إلى سوء فهم الحاجّ، وفق الرواية الإيرانية. ولقد شهد بعض حُجَّاج الدول الإسلامية الموجودين على مقربة من الحدث، شهادةً تجرّم الحاجّ الإيراني، فأصدرت المحكمة الشرعية في مَكَّة حُكمًا يقضي بإعدام أبو طالب يزدي، ونُفِّذ الحكم خلال موسم الحجّ ذاته.
أدت قضية إعدام الإيراني أبو طالب يزدي في عام 1944 م إلى خلاف كبير بين الرياض وطهران نجم عنه صدور قرار سياسي إيراني يقضي بقطع العَلاقات الدبلوماسية مع الرياض، وتوقَّف خلالها تدفُّق الحُجَّاج الإيرانيين إلى الأراضي المقدَّسة. واستمرّ هذا الانقطاع في العَلاقات بين البلدين لمدة ثلاث سنوات.
بعد عودة العَلاقات بعام كامل يجد الباحث مذكِّرات في غاية الأهمية كتبها الإيراني أبو الفضل حاذقي حول رحلته إلى المملكة العربية السعودية في عام 1948م بعد عودة العَلاقات السعودية-الإيرانية إلى حالتها الطبيعية. كان حاذقي أحد أعضاء وفد رسمي أرسلته الحكومة الإيرانية إلى السعودية خلال موسم الحجّ كرسالة حسن نية وبدء صفحة جديدة في العَلاقات بين الجانبين. نُشرت المذكِّرات في عام 1351 هـ.ش (1972م) على أربعة أجزاء في مجلة “وحيد” المتخصصة في الدراسات التاريخية. كما يذكر حاذقي أن الهدف الأساسي لاختيار أمير الحُجَّاج وإرساله إلى الحجّ يكمن في حفظ احترام الحُجَّاج الإيرانيين والحيلولة دون حدوث ما يربك ذلك، بخاصة أنه يرافق أول مجموعة من الحُجَّاج الإيرانيين الذين يتوجهون إلى الحجّ بعد عودة العَلاقات مع السعودية بعد فترة من الانقطاع.
تكمن قيمة هذه المذكِّرات في أنها نظرة تقدِّم صورة واقعية عن العَلاقات السعودية-الإيرانية ونظرة الشخصية الإيرانية إلى المملكة العربية السعودية بعيدًا إلى حد كبير عن أي تأثير قومي أو طائفي، الأمر الذي قلّما تجده في النتاج الأدبي الإيراني عن المملكة العربية السعودية، فقد كان ولا يزال يتجاذبه تياران رئيسيَّان، أحدهما قومي فارسي، والآخر مذهبي شِيعيّ، مِمَّا يقود في كلتا الحالتين إلى تفوُّق توجُّهات هذين التيارين على المُنتَج الأدبي، والمُنتَج التاريخي أيضًا.
ترجمت كامل النَّصّ بأجزائه الأربعة دون حذف أي جزء أو عبارة منه، وهذا لا يعني أنني -كمترجم في هذه الحالة- أتفق مع كل ما جاء في هذه المذكِّرات، ولكن احترامًا لدور المترجم بحيث لا يُقحِم وجهة نظره الشخصية أو قراءته للحدث في نَصّ الترجمة. وجدت أن بعض النقاط يحتاج إلى توضيح أو رجوع إلى مصادر تُفِيد القارئ ونحو ذلك، لذا أضفت ذلك في الهوامش، ومِن ثَمَّ فإن جميع الهوامش في هذه الورقة قد أضافها المترجم، ومثلها جميع التواريخ، والكلمات أو الجمل التي تأتي بين قوسين هلاليَّين (…)، أضافها المترجم.
نشر الكاتب هذه المذكِّرات -كما أشرنا آنفًا- على أربعة أجزاء، وقد حفظت هذا التقسيم، مع الإشارة في بداية كل جزء بالعنوان الذي اختاره الكاتب لذلك الجزء، وتفاصيل النشر، ليسهل على من يرغب في الاطِّلاع على النَّصّ الأصلي الوصول إليه. إضافة إلى ذلك، أبقى المترجم على المصطلحات ذات الدلالات المذهبية التي استخدمها الكاتب في مذكِّراته، لا اعتقادًا بها ولكن من باب الأمانة في النقل فقط.

نبذة عن الكاتب:
وُلد أبو الفضل حاذقي جهرمي عام 1298ه.ش (1919م) في مدينة جهرم التابعة لمحافظة فارس. بعد إنهاء مرحلة التعليم العامّ في شيراز التحق بكلية الحقوق في طهران حيث درس في قسم القضاء والسياسة. بعد التخرُّج بدأ التدريس في الكلية ذاتها. خدم لعدة سنوات مستشارًا ثقافيًّا في سفارتَي إيران في الهند وأفغانستان، ثم تَوَجَّه لإكمال دراسته، فسافر إلى فرنسا لدراسة القانون الدولي في جامعة “السوربون”، وعاد بعد أن حصل على درجة الدكتوراه. بعد عودته أصبح عضوًا في هيئة التسليح الأخلاقي، ثم عمل أمينًا عامًّا للهيئة.
عمل الدكتور حاذقي أيضًا رئيسًا لتحرير صحيفة “كوشش” ومجلة “إسلام” الناطقتين بالفارسية، كما كُلِّف بتولِّي عدّة مناصب سياسية وثقافية وقضائية. انتُخِب ممثِّلًا لأهالي مدينة جهرم في مجلس الشورى الوطني لأربع دورات (14 و15 و16 و21) حتى توُفِّي في عام 1356ه.ش (1978م)، أي قبل الثورة التي أسقطت النظام الملكي البهلوي بعام واحد فقط.
أتقن الدكتور حاذقي إلى جانب الفارسية اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. من أشهر مؤلفاته كتاب “حقوق المرأة في الإسلام” باللغة الفارسية.

» الجزء الأول: مقتل أبو طالب يزدي في مَكَّة وبقية الأحداث[1]
كل حُكم من الأحكام الإسلامية يهدف إلى نتائج لأتباع هذا الدين السماوي، والهدف من تشريع هذه الأحكام هو الوصول إلى تلك النتائج. إن الهدف من إقامة الصلاة يتمثل في طهارة المصلِّي في الظاهر والباطن، وبناء عَلاقة قلبية دائمة بينه وبين الله عزّ وجلّ، والرغبة في الهداية إلى الطريق الصحيح والمستقيم. والهدف من الصوم هو تدريب النفس وتمرينها على الوقوف في مواجهة الشهوات النفسية، والصبر والتحمُّل والتسامح، وهكذا هو حال بقية الأحكام الإسلامية التي يعبَّر عنها بمصطلح “فروع الدين”.
إن الهدف من فرض الحجّ هو اجتماع مسلمي العالَم في زمان ومكان محدَّدَيْن ليتعارفوا، ويطَّلعوا على ما يدور في دول العالَم الإسلامي، وكذلك التعبُّد لله وحده بصورة جماعية، والفوز بفوائد عظيمة أخرى من بينها تَحقُّق حُسْن التفاهم والوحدة بين مُسلِمِي العالَم.
في هذه الأثناء يؤدِّي الجهل والتوجُّهات الناشئة عن الهوى والهوس إلى عدم تَمَكُّن كثير من المسلمين من الوصول إلى الهدف المنشود (من الحَجّ)، ويحدث أحيانًا أن يؤدِّي بعض سلوكياتهم الخاطئة والمخالفة للأحكام الإسلامية إلى نتائج عكسية.
قبل بضع وثلاثين عامًا حُكم بإعدام أحد المسلمين الإيرانيين -يُدعَى سيد أبو طالب يزدي- خلال موسم الحجّ وخلال أدائه مناسك الحجّ، ونُفِّذ الحكم في نهار مشمس وأمام بقية المسلمين، مِمَّا قاد الحكومة الشاهنشاهية إلى قطع عَلاقاتها مع المملكة العربية السعودية، مِمَّا نجم عنه تَخلُّف المسلمين الإيرانيين عن أداء فريضة الحجّ لسنوات، واتَّضَح أن هذه الحادثة كانت تتعارض مع الغاية من تشريع فريضة الحجّ.
إن قصة الحكم بإعدام أبو طالب يزدي مؤثّرة وعبرة في الوقت ذاته. كان الجهل والاستهداف سبب ظهور هذه الحادثة التي نجم عنها الاختلاف والشقاق بين المسلمين. لقد نَصّ القرآن الكريم على حرمة الكعبة المشرَّفة ووصفها بالمسجد الحرام وموطن الأمن والأمان، ولا يشمل الأمن الناس الذين في بيت الله فقط، بل يدخل في ذلك الحيوانات والأشجار والنباتات أيضًا، فنَصّ على حرمة صيده أو قطع أشجاره أو اقتلاعها، واعتبر ذلك ذنبًا يُوجِب العقوبة.
الآن ننظر لماذا قُتل هذا المسلم في بيت الله دون ذنب؟ لقد قُتل عليّ (ع) في محراب المسجد في أثناء أدائه فريضة الصلاة، وادّعَى قاتل الإمام أن قتل عليّ (ع) خدمة للوحدة الإسلامية..
وبعد مرور ألف وثلاثمئة عام على تلك الحادثة، نرى أعمال الجهل والحقد والاستهداف مجدَّدًا، إذ تَصرَّف المسؤولون في الحكومة البعثية في العراق تصرُّفًا وحشيًّا من خلال التشريد الجماعي للمسلمين الإيرانيين من منازلهم وعششهم في الشتاء القارس، مِمَّا أدَّى إلى مقتل العجزة والمُسِنِّين، وأطلقوا على هذا العمل الشنيع “التنفيذ الصحيح للوائح القانونية”.
لنعُد إلى قصة إعدام أبو طالب يزدي. لقد كان رجلًا بسيطًا وغير متعلم (أمِّيًّا) من أهالي قرية تابعة لمدينة يزد، وبدافع الإخلاص لدينه وعقيدته كبقية المسلمين، اقتصد ووفَّر شيئًا من دخله السنوي ليتحقق سفره إلى مَكَّة.
عندما كان أبو طالب يؤدِّي فريضة الحجّ، مُحرِمًا، يطوف بالكعبة المشرَّفة، أصيب بحالة من الاستفراغ والتقيُّؤ، وبدلًا من أن يقطع طوافه ويخرج من المسجد الحرام، لم يرغب في ترك حَجِّه ناقصًا ونظَّف ما خرج من جوفه بطرف إحرامه، ورأي بعض الطائفين الواقعة فاعتبروا ما فعله هذا المسكين عملًا متعمَّدًا بهدف إهانة، أو اصطلاحًا “تدنيس”، الكعبة المشرَّفة، فسلَّموه فورًا لشرطة الحرم، وأدلوا بشهادتهم في اليوم التالي أمام القاضي بالمحكمة الشرعية بأن هذا الشخص دخل بين جموع الطائفين بهدف تدنيس الحرم، وشاهدوه أكثر مرة يمسح بإحرامه الملوَّث بالنجاسة على جدران الكعبة.
ولأنه لم يكُن هناك من يدافع عن هذا المسكين ويوضِّح للقاضي حقيقة أنه كان مريضًا وأن هذا حدث اضطراريّ وأنه لم يهدف قط إلى إهانة الحرم وتدنيس هذا المكان المقدَّس، فهو لم يقصد مثل هذا العمل، ولأنه جاهل فبدلًا من الخروج مباشرة من المسجد الحرام أراد أن يتحامل على نفسه ويكمل طوافه، ولم يقصد مطلقا إهانة الأماكن المقدَّسة – حكم القاضي طِبقًا للآية الكريمة: “وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ”[2]، وحكم عليه بالقتل.
في اليوم التالي، ووَفْقًا للنظام المتَّبَع في المملكة العربية السعودية تجاه المحكوم عليهم بالإعدام، قُطع رأسه (أبو طالب يزدي) بجوار سوق الصفا والمروة لكي يكون عبرة للآخرين فلا يفكِّروا في تدنيس مقام الكعبة المشرَّفة[3].
وضع خبر إعدام أبو طالب الحكومة والشعب الإيرانيَّيْن في حالة من الحيرة، ووَفْقًا لشهادات الحُجَّاج الإيرانيين العائدين إلى البلاد وتأكيدهم لِمَا شاهدوه، قرَّرَت الحكومة الشاهنشاهية قطع العَلاقات السياسية مع المملكة العربية السعودية، كما قررت منع أي إيراني من السفر إلى الحجّ اعتبارًا من العام التالي.
مرور الوقت ألقى بغبار النسيان على هذه الحادثة، وبدورها أوصلت الحكومة السعودية من خلال ممثِّليها في الدول الإسلامية الأخرى رسالة إلى الممثِّلين السياسيين للحكومة الشاهنشاهية، مفادها أن حكومة المملكة العربية السعودية لم تتدخل مُطلَقًا في تلك الحادثة، وأن الحكم بإعدام أبو طالب يزدي أصدره القاضي، ووَفْقًا لشهادة شهود من دول إسلامية أخرى، ونفَّذَت المحكمة الشرعية الحكم، وأنه حتى إن رغبت الحكومة في وَقْف هذا الحكم فإنها لن تستطيع فعل ذلك كما حدث في مسألة هدم القباب في البقيع بالمدينة المنورة، وأن ذلك تم بموجب فتاوي العلماء وبمباشرة المسؤولين في المحاكم الشرعية دون تَدَخُّل الحكومة.
على جانب آخَر، كان تَوَجُّه الحكومة الشاهنشاهية التي تنتهج سياسة حسن الجوار والسلم مبنيًّا على إعادة عَلاقاتها السياسية مع الحكومة السعودية، وقد تحقق ذلك فعلًا، واستأنف الحُجَّاج الإيرانيون، بإذن الحكومة، السفر إلى مَكَّة.
في عام 1328ه.ش (1948م) أصدر شاهنشاه آريامهر (محمد رضا شاه) الذي كان حريصًا منذ تولِّيه زمام الحكم على رفع شأن إيران والإيرانيين في عيون الشعوب، بخاصة الدول المجاورة، أصدر أوامره بتقوية العَلاقات مع دولة المملكة العربية السعودية وبنائها على قاعدة متينة وراسخة، وأن يرفع مكانة إيران في تلك الدولة، وبشكل تدريجي في جميع الدول الإسلامية، إلى مستوى يليق بهذه الدولة، والحفاظ على الحد الأعلى في هذا الخصوص.
نقترب من موسم الحجّ، ولأنه أُعيدت العَلاقات السياسية بين إيران والسعودية بعد انقطاع دام بضع سنوات، فقد تَقدَّم نحو عشرين ألف إيراني بطلب لزيارة بيت الله الحرام وأداء فريضة الحجّ لذلك العام، من بينهم عدد كبير من العلماء الكبار ومراجع التقليد وشخصيات مختلفة أخرى. ولقد رأى الشاهنشاه أن المصلحة تستوجب اختيار وفد خاصّ وذا طابع رسمي للإشراف على الحُجَّاج وتوجيههم، وتجهيزه بالخدمات كافَّةً الضرورية والمشرّفة التي تحفظ ماء وجه إيران في كل مكان، وأن يراقبوا تصرُّفاتهم خلال الطريق وداخل المملكة العربية السعودية وفي أثناء تأدية مناسك الحجّ. وفي نهاية المطاف فحُجَّاج إيران، مثل بقية حُجَّاج الدول الإسلامية، يجب أن يكون لهم هيئة إشرافية ورقابية وأطباء وممرضون، وأن يحافظوا على سمعتهم واحترامهم في كل مكان، وأن تهيَّأ لهم الوسائل الطبية والعلاجية اللازمة. لقد اختيرَ هذا الوفد وأدى وظيفته الهامة، وقد كانت مهمَّتِي في هذا الوفد العمل نائبَ أمير للحُجَّاج ومشرفًا على الحُجَّاج الذين يتجهون برًّا إلى مَكَّة عبر العراق والكويت.
كان ذلك في فصل الصيف، وفي ذلك الوقت كان مقرّ رئيس الوزراء خلال فصل الصيف في بستان السفارة الألمانية في تجريش إلى جوار جسر “رومي”[4].
استدعاني رئيس الوزراء المرحوم عبد الحسين هزير إلى رئاسة الوزراء. أطلعني المرحوم هزير على تفاصيل الموضوع، وبعد مقدِّمة قصيرة حول مدى اهتمام جلالة الشاهنشاه بضرورة حفظ احترام الإيرانيين المتجهين إلى الحجّ والمأمول من الحكومة تقديمه لإنجاح هذه المهمة، وقال إن السيد محسن صدر “صدر الأشراف” اختاره الشاه رئيسًا لهيئة إمارة الحُجَّاج، وقد اقترح -أي محسن صدر- اسمكم لتكون نائب أمير الحُجَّاج، وفي الوقت ذاته تترأس قوافل الحُجَّاج التي سوف تتجه برًّا إلى مَكَّة.

» الجزء الثاني: تحضيرات السفر إلى مَكَّة[5]
إن الهدف الرئيسي من اختيار وإرسال “أمير الحُجَّاج” الذي يرافق أول قافلة من المسلمين الإيرانيين المتوجهين إلى مَكَّة بعد انقطاع في العَلاقات بين إيران والسعودية، يتمثل في ضمان احترام الحُجَّاج الإيرانيين والحيلولة دون تكرار أي مسبِّب مشابه لذلك الذي أدَّى إلى قطع العَلاقات.
ولكن يوجد أمران يفوقان في الأهمية السبب المذكور أعلاه، هما:
أولًا: التعريف بقدر ومكانة إيران وسياسة الحكومة الشاهنشاهية، وكذلك التعريف بالأوضاع الداخلية والخارجية للبلاد أمام الدولة الجارة المملكة العربية السعودية، وكذلك للشخصيات الإسلامية المشاركة في فريضة الحجّ لذلك العام.
ثانيًا: السعي لإزالة سوء التفاهم الذي يمتدّ لعدة قرون بين المسلمين من المذاهب الأربعة، الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي، من جهة، والشيعة أو الإمامية من جهة أخرى، تَطوَّر مع الوقت ولأسباب متعددة إلى خلافات سياسية، كانت إحدى نتائجها حادثة قتل سيد أبو طالب التي أشرنا إليها في القسم الأول من هذه المقالة.
ولتحقُّق هذين الهدفين اللذين حظِيَا باهتمام ملك البلاد شخصيًّا وأصدر أوامر خاصة في هذا الصدد، كان من الضروري تشكيل وفد برئاسة “أمير الحُجَّاج” يرافق الإيرانيين المتجهين إلى مَكَّة لأداء فريضة الحَجّ.
من الضروري بمكان أن يتوافر في أعضاء هذا الوفد شرط رئيسي يتمثل في رغبة كل عضو منهم في أداء هذه الشعيرة الدينية بغَضّ النظر عن الجانب المادِّي والحصول على مصاريف السفر والمزايا الأخرى.
في نهاية المطاف اختير الأشخاص المشاركون في هذا الوفد، وهم:
1- المرحوم الشيخ أحمد بهار، ممثلًا لمكتب رئيس الوزراء.
2- سيد محمد باخدا، المدير العامّ لهيئة الأوقاف.
3- أحمد مشايخي “مستشار السلطنة” عن وزارة الداخلية.
4- العميد سيد باقر شهرستاني من الأمن العامّ.
5- ضياء الدين قريب من وزارة الخارجية، وقد عُيِّن قائمًا بالأعمال لإيران في السعودية.
6- كاظم آرزمي، المترجم المرافق.
كما اختار الدكتور مدرسي، رئيس الصحة ومستشفى مدينة قم، عددًا من الأطباء والممرضين لمرافقة الوفد.
وزوَّدَت وزارة البلاط الشاهنشاهي الوفد بخيمة خاصة بالضيافة مجهَّزة بجميع وسائل الطبخ والسُّقيا، كما كلَّفَت وزارة الخارجية فريقًا من الطباخين والسُّفْرَجِيَّة والخدم بمرافقة الوفد، ومِن ثَمَّ أصبح مجموع أعضاء الوفد 27 شخصًا.
وفُتح مكتب في وزارة الخارجية من أجل تهيئة الترتيبات المبدئية للمتقدمين لأداء مناسك الحجّ، وبعد التشاوُر والتباحث تَقَرَّر إعداد كُتَيِّب إرشادي للمشاركين في موسم الحجّ، يصوَّر بعدد كافٍ ليوزَّع على جميع الحُجَّاج الإيرانيين.
إضافة إلى بيان مناسك الحجّ وأركانه وشرح أعمال الحجّ الواجبة شرعًا على جميع الحُجَّاج، نُبِّه الحُجَّاج (في هذا الكُتَيِّب) وأُرشِدوا إلى عدم القيام بأي أعمال تخالف الأنظمة أو التقاليد في المملكة العربية السعودية، وتجنُّب فعل ما يثير سوء فهمهم كشيعة وأتباع للمذهب الإمامي، وبالفعل نُفِّذ ذلك ووُزِّع على الحُجَّاج.
في هذا الكُتَيِّب وُصِّيَ الحُجَّاج بعدم استخدام “مهر”[6] خلال الصلاة، وأن يستخدموا شيئًا بديلًا يجوز السجود عليه مثل ورق الأشجار، أو الحصباء، أو قطعة كرتون أو ورق عادية، أو المروحة اليدوية، ذلك بسبب اعتقاد أتباع المذهب السُّنِّي أن السجود على “مهر” تربة الأئمة الرائج والمتعارَف عليه بين الشيعة، أمر سيئ يتنافى مع التوحيد.
كذلك أُرشِدَ الحُجَّاج إلى تجنُّب قراءة بعض الأدعية التي تشتمل أحيانًا على اللعن والتي يُشَكّ في نسبتها إلى الأئمة، خلال زيارة أئمة الهدى في البقيع. كما وُجِّه الحُجَّاج بعدم التمسح بالأماكن في الحرم المكي أو تقبيلها، ما عدا تقبيل الحجر الأسود، وحُذّروا من التدخين، لأن جميع هذه الأعمال محرَّمة عند أتباع المذهب السُّنِّي (بخاصة الوهابية)، وتُعَدّ منافية للتوحيد الخالص.
تجاوز عدد الحُجَّاج الإيرانيين في ذلك العام سبعة عشر ألف حاجّ، كان من بينهم بعض العلماء والفقهاء ومراجع التقليد مثل آية الله بهبهاني، وفيضي، وخوانساري، وكذلك آية الله الحاجّ الشيخ بهاء الدين نوري، والحاجّ ميرزا خليل كمره اي، والحاجّ الشيخ بهاء الدين محلاتي، وعدد كبير من الشخصيات البارزة في المجتمع الإيراني، كما تَوجَّه بعض الإيرانيين المقيمين في الخارج إلى مَكَّة، ومِن ثَمَّ تجاوز عدد الحُجَّاج الإيرانيين في ذلك العام الرقم المذكور أعلاه.
تَوَجَّه صدر الأشراف أمير الحُجَّاج وضياء الدين قريب، القائم بالأعمال الإيراني المؤقَّت لدى المملكة العربية السعودية، وكاظم آرزمي المترجم العربي المرافق لأمير الحُجَّاج، وعدد من الحُجَّاج، إلى جدَّة جوًّا، ولأنه لم يكُن يوجد في ذلك العام (1948م) خطوط إيرانية، كما لا يوجد طيران مباشر بين طهران وجدَّة، فقد تَوَجَّه من يرغب في السفر جوًّا إلى جدَّة إلى بيروت أولًا، ومن هناك استقلّ طائرة أخرى إلى جدَّة.
عدد آخر من الحُجَّاج يتجهون برًّا إلى العراق وسوريا ومن ثم إلى أحد المواني المُشرِفة على البحر الأبيض المتوسط، ومن ثم يتجهون بحرًا إلى جدَّة.
فضلًا عن هاتين المجموعتين المحدودتين، فإن الغالبية العظمى من الحُجَّاج يتجهون برًّا من خلال استخدام شركات النقل مثل “ميهن تور” و”لوان تور” و”فولادي”، وغيرها من الشركات التي تنقلهم عبر البصرة فالكويت والرياض، ومن ثم يتوجهون إلى جدَّة، كما أن بعض الحُجَّاج استقل بعض الشاحنات وسيَّارات اللواري والجيوب وأنواعًا أخرى من السيَّارات التي وُضِعَت آنذاك تحت تصرفهم أو السيَّارات الشخصية لبعض المسافرين لأداء مناسك الحجّ.
وَفْقًا للبرنامج الذي أعلنته هيئة الإشراف على الحُجَّاج، فإن قوافل الحَجّ سوف تتحرك من جميع مدن إيران إلى مدينة خرمشهر (المحمرة) في الأيام الأخيرة لشهر ذي القعدة من ذلك العام، وقد أصدرت الحكومة التوجيهات اللازمة إلى إدارة الجمارك والأمن العامّ هناك بضرورة تسهيل وتسريع إجراءات السفر والتشريفات الجمركية للحُجَّاج، لكي يتمكن الجميع من التحرُّك في وقت واحد، بخاصة أنهم سوف يواجهون صعوبات كبيرة خلال الرحلة بسبب تحرُّكهم عبر طرق عُرفت بكثرة الرمال المتحركة. وتطبيقًا لأوامر رئيس الوزراء المرحوم عبد الحسين هزير، فقد وضعت الإدارة المالية في رئاسة الوزراء مبلغ ستة آلاف ليرة، تعادل أقلّ من ستين ألف تومان، تحت تصرُّف الشيخ أحمد بهار مسؤول الشؤون المالية (خلال الرحلة).
خُصِّصت خمسة آلاف وخمسمئة ليرة للمصاريف خارج إيران بينما صُرف ما يعادل خمسمئة ليرة بالعملة المحلية من البنك الوطني.
خصَّصَت وزارة الخارجية ورئاسة الوزراء لأعضاء الوفد الـ27 عدة سيَّارات حكومية، من بينها سيارة “بليموت” جديدة يمتلكها رئيس الوزراء شخصيًّا.
قبل تَحَرُّك الوفد بقليل انضمّ رجل زاهد ومتدين يُعرَف باسم “حاج داداش مستشار نعمتي” من أهالي كرمانشاه وقد خُصِّص له مكا في سيارة البليموت تلك، كما خُصِّصَت شاحنتان مُستأجَرَتان لنقل خيمة الضيافة ولوازم الطبخ والسُّقْيا والأمتعة الشخصية لأعضاء الوفد، وتقرر أن يتحرك الوفد خلف جميع القوافل.
أمضى الوفد الليلة الأولى في قم والثانية في الأهواز، واليوم الثالث في خرمشهر، وبمساعدة العميد خاتمي مسؤول الأمن العام، والمرحوم أباصلتي رئيس دائرة الجمارك في خرمشهر، سُهِّلَت مغادرة آخر قافلة متجهة إلى الحجّ ودخلت إلى البصرة.

» بداية مواجهة الصعوبات
بعد الوصول إلى البصرة طالب مسؤولو الجمارك العراقية بمبالغ كبيرة جدًّا من مالكي الحافلات وسيَّارات الشحن وممثلي الشركات مقابل السماح لهم بإدخال ما تُقِلُّه سيَّاراتهم إلى داخل العراق، وفشلت كل الجهود الرامية إلى إقناعهم بالموافقة على دخولها كـ”ترانزيت/مرور مؤقَّت”.
بعد التفاوض مع المسؤولين في محافظة البصرة، قالوا إن الحل الوحيد للسماح بدخول هذه الشحنات هو أن تضع كل وسيلة نقل مبلغًا من الليرات وديعةً تُسترَدّ عند العودة من خلال تقديم إيصال الوديعة.
عند التفكير في عدد العربات التي تتجاوز ألف وسيلة نقل، كان من الضروري إيداع بضعة آلاف من الليرات، الأمر الذي لم يتوقعه الحُجَّاج ولا هيئة الإشراف على الحُجَّاج على حدّ سواء. في هذه الظروف تَقرَّر الاتصال بالحكومة العراقية في بغداد لحلّ هذه المشكلة. وفعلًا طلبًا للمساعدة جرى الاتصال هاتفيًّا بالدكتور محمد فاضل الجمالي وزير الخارجية العراقي آنذاك الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للوزراء في العراق، وبعد تغيير النظام الحاكم في العراق أُودِعَ السجن، والآن يعمل أستاذًا جامعيًّا في جامعة تونس.
كان الدكتور الجمالي على إلمام تامّ باللغة والثقافة الفارسية، وقد أتم دراسته الابتدائية والثانوية في مدرسة “شرافت بغداد”، وكان يحترم إيران ويقدّرها كثيرًا. بعد اطّلاعه على الموضوع تَكفَّل بإرسال خطاب مكتوب إلى إدارة الجمارك يؤكِّد السماح لوسائل النقل الإيرانية بعبور الأراضي العراقية ذهابًا وإيابًا، على أن يُلغَى هذا التصريح الاستثنائي بعد عودة القوافل إلى إيران، وأُبلِغَ مسؤولو الجمارك بهذه التعليمات.
لذلك استغرق ذلك يومًا كاملًا حتى تحصل كل عربة على تصريح جمركي يحتوي على بياناتها كاملة، ووُقِّعَت، ووقَّعتُ شخصيًّا عليها وتَعهَّدْتُ بالالتزام بما ورد فيها، وبحمد الله حُلّت المشكلة وتَحرَّك جميعُ الحُجَّاج من البصرة إلى الزُّبَيْر، وبعد التأكُّد من عبور جميع وسائل النقل التابعة للقافلة وكذلك جميع الحُجَّاج، تحركت القافلة في اتجاه الكويت، وقد قضينا تلك الليلة في الطريق إلى الكويت حيث تتحرك القافلة بسرعة معقولة رغم كثير من الصعوبات بسبب وعورة الطريق والرمال، وكانت المسافة تقارب أربعمئة كيلومتر. وفي الطريق صادفنا، وبشكل متكرر، أبناء القبائل التي تسكن الخيام، وكانوا بمجرد ملاحظتهم عَلَم إيران المنصوب في مقدِّمة السيارة يؤشرون بأيديهم احترامًا لنا. وقد وصلنا إلى الكويت وقت صلاة الفجر.

» الجزء الثالث: من الكويت إلى الرياض[7]
قضينا الليلة كاملة خلال مسيرنا من البصرة إلى الكويت، ولم يكُن هناك أي علامة إرشادية قد تساعدنا في عدم فِقدان الطريق الصحيح. كانت شُعَل الغاز التي تتوقد من آبار النفط الكويتية في الفضاء ويمكن مشاهدتها من مسافات بعيدة تساعد قادة المركبات في الاستمرار في السير بخطّ مستقيم، وإذا ما اضطُرُّوا إلى تغيير مسارهم بسبب الانعطافات أو الطبيعة الجغرافية، فإنهم يعودون في أقرب فرصة ممكنة إلى الوجهة الصحيحة.
وصلنا إلى الكويت قُرْبَ الفجر، وفي الوقت الذي وصلنا فيه إلى تلك المدينة كانت قافلة إيرانية تستعدّ للتحرك نحو المملكة العربية السعودية[8]. ولأن الطريق أمامنا طويل وعُرف بكثرة بالرمال المتحركة فقد فضَّلنا إتمام مسيرنا والالتحاق بهذه القافلة. عزمَت القافلة على أنها سوف تصل إلى أول مدينة سعودية -وتسمَّى “قرية العلياء”، وتُختصر بـ”جرية” (قرية)- قبل حلول الظلام. كان الطريق وعرًا، لذلك حاولَت الحافلات والجيوب المرور عبر الرمال المتحركة الأقلّ خطرًا، أما السيَّارات الصغيرة التي كان عددها -لحسن الحظّ- قليلًا جدًّا فكانت تقتفي أثر السيَّارات الكبيرة وتمرّ بصعوبة بالغة.
مرافقنا في السفر، الحاجّ داداش مستشار نعمتي، المتصوِّف حَسَن الخلق لطيف الحديث، كان يجلس معنا في سيارة “بليموت” الخاصة برئيس الوزراء التي قدَّمَها لنا (قبل مغادرة إيران). لقد اتحفَنا بذكريات جميلة عن أسفاره المتكررة من مدينة كرمانشاه إلى النجف وكربلاء وكاظمين وسامرَّاء، وكان سائق السيارة الذي كان مُجبَرا على الضغط على “البنزين” حتى لا تغوص عجلات السيارة في الرمال، مستمتعًا بحديث الحاجّ نعمتي.
لم نلبث طويلًا حتى وصل إلى مشامِّنا رائحة كريهة، ثم توقفت السيارة عن الحركة. قال السائق إن “صحن الكلاتش” قد احترق، وتقدُّمنا مرهون بتغييره، الأمر الذي سيكون مستحيلا بسبب عدم وجود قطاع الغيار الضرورية. بعد التشاور في الأمر قررنا ترك السيارة التي كانت قد غاصت في الرمل ولا يمكن إخراجها دون تغيير “صحن الكلاتش”. تركنا السيارة وقائدها في المكان، وأكملنا مسيرنا مع السيَّارات القادمة حتى نصل إلى قرية العلياء، المدينة الحدودية، ونرتِّب إرسال قطع غيار للسيَّارة حتى تكمل مسيرها بعد إصلاح الخلل الفنِّي وتلحق بنا، وهكذا فعلنا، ووصلنا إلى الحدود، وكان في استقبالنا أميرها الذي رحَّب بنا واستقبلَنا بكل احترام وتقدير، وتناولنا العشاء ذلك المساء في ضيافته. قال أمير القرية إنه وصلته الأوامر من العاصمة الرياض باستقبال الحُجَّاج الإيرانيين بكل حفاوة وتكريم، وتلبية جميع متطلباتهم قدر الاستطاعة. طُلب منه أن يأمر بتهيئة قطع الغيار اللازمة لتقوية أنوار السيَّارات ليتمكن قائدوها من السَّير بشكل آمن وسط الرمال المتحركة والعواصف الشديدة في أثناء الليل. ثانيًا، طلبنا التنسيق لإرسال عدد من الأوناش مع القافلة لكي تسحب كل سيارة أو شاحنة تغوص في الرمال، وثالثًا، التكرُّم بالأمر بإصلاح سيارة “البليموت” التي تركناها في طريقنا وإحضارها إلى هنا بأسرع ما يمكن حتى نتمكن من إكمال مسيرنا ونستطيع أيضًا الوصول إلى أمتعتنا الشخصية التي ظلت في تلك السيارة.
أما الطلب الأول فقد أصدر أوامره بأن تُفتح في صبيحة اليوم التالي الورشة الكبيرة الموجودة في المدينة وتُهَيَّأ قطع الغيار التي يحتاج إليها قائدو سيَّارات القافلة، وتُقَدَّم لهم مجَّانًا، وأما الطلب الثاني فقد أعرب عن استعداده لإرسال برقية إلى الرياض يطلب فيها تسيير عدد من أوناش السحب تستقبل القافلة في الطريق وترافقها إلى الرياض، وأما الطلب الثالث فقال: “إذا أُصلِحَت السيارة فسوف ترافقكم خلال الرحلة، أما إذا تَعذَّر ذلك فسوف نُحضِر جميع ما بها من أمتعة شخصية لوضعها في السيَّارات الأخرى، أما السيارة فسوف تُعاد إلى الكويت بعد إصلاحها، ومن هناك تُشحَن بحرًا إلى مدينة خرمشهر الإيرانية”.
في اليوم التالي ذهب السائقون إلى الورشة الحكومية وجهزوا سيَّاراتهم بكل ما يحتاجون إليه استعدادًا لإكمال الرحلة والتوجُّه إلى الرياض، ولأنه لم يبقَ سوى أيام معدودة على موسم الحَجّ فقد نُبِّهَت جميع القوافل بأن التحرُّك سيكون صبيحة غد.
كان بعض الوُعَّاظ والخطباء الذين يرافقون القافلة بهدف أداء فريضة الحَجّ، يتحدثون بعد أداء صلاة المغرب والعشاء[9] إلى الحُجَّاج ويُلقُون الخطب الدينية التي تركِّز على إرشادات ضرورية يجب التقيُّد بها، وكذلك حثّ الحُجَّاج على التحرُّك وَفْق الساعة المحدَّدة لذلك والاهتمام بكل أعضاء القافلة ونصح قائدي المَرْكَبات في ما يتعلق بصعوبات الطريق وتجنُّب الانفصال عن القافلة، بخاصة في الصحارى الرملية، مِمَّا يؤدِّي إلى الانحراف عن الطريق والتعرُّض لخطر الظمأ والجوع والصعوبات الأخرى.
في ذلك اليوم تناولنا أطعمة غير مألوفة، خصوًصا حليب الإبل، ولحومًا ملوَّثة مِمَّا أدَّى إلى تعرُّض بعض الحُجَّاج لنزلات معوية، وكنتُ أحدَهم، وأخبرني الدكتور محمد إبراهيم بازركان بأنني تعرضت لتسمُّم غذائي بسبب الطعام الملوَّث.
في صباح اليوم التالي أعلن أمير قرية العلياء أنه تَعذَّر إصلاح السيارة، وأمر بسحبها إلى الكويت، ومن هناك تُعاد إلى إيران، وأن ما يوجد بها من أغراض ولوازم شخصية سوف تلحق بنا في القريب العاجل لأنه قد حان وقت تحرُّك القافلة ولم يُحضَر بعدُ ما في السيارة إلى القرية.
كان خبرًا ثقيلًا علينا، لأنه إذا استطعنا مواصلة طريقنا من خلال وسائل النقل الأخرى المرافقة للحملة، فإنه يتعذر تهيئة اللوازم الضرورية من ملابس وأحذية ونحو ذلك، وفي الوقت ذاته ليس أمامنا من خيار سوى التسليم والرضا.
في هذه الأثناء أظهر الحاجّ السيد مستشار نعمتي -كان من بين رُكّاب السيارة- قلقه الشديد، بل وأصرّ على الانتظار حتى إحضار السيارة والحصول على الأمتعة ثم مواصلة المسيرة. هذا الإلحاح لم يتناسب وشخصيته الهادئة ومكانته مِمَّا أثار شكوك الجميع والتخمينات الكثيرة حول سبب هذا الإصرار ودوافعه، وأردنا فهم سبب كل هذا القلق الذي أظهره.
ولتَجَنُّب أي سوء فهم كان نعمتي مُجبَرا على توضيح سبب إصراره على ذلك، فذكر أنه منذ أربعين عامًا لم ينَم ليلة واحدة إلا وبرفقته قطعة قماش متبركة[10] يحملها معه أينما حلّ وارتحل لتصبح كفنه عندما يتوفاه الله، ولأن قطعة القماش هذه لم تكُن بمعيَّته خلال الليلتين اللتين قضاهما في قرية العلياء فإنه لم يهنأ له بال إطلاقًا، وإذا ما تحركت القافلة قبل وصول الأمتعة الشخصية فإنه غير متأكد متى وكيف ستصل إلى يده تلك القطعة من القماش.
بعد جهود مضنية تَمَكَّن الجميع من إقناعه بمرافقة القافلة ومواصلة سفره مؤكِّدين له أن حاكم المدينة سوف يُحضِر جميع الأمتعة التي كانت في تلك السيارة، ومن ضمنها قطعة القماش هذه، إلى القافلة في أسرع وقت ممكن، لأن موضوع الأمانة والوفاء بالعهد أمر في غاية الحساسية في السعودية، وخيانتها تستوجب العقوبة القصوى، إلى درجة أنه إذا وقعت عين مسافر على بضاعة فلا يحقّ له أن يلمسها مطلقًا، بل أن واجبه ينحصر في إبلاغ أقرب جهة حكومية فقط، وقد عُرف أن شخصًا أبلغ أحد المسؤولين بأنه رأى كيسًا مملوءًا بالدقيق على جانب الطريق، فحقَّقوا معه: “كيف عرفت أن ما بداخل الكيس قمح؟ وما هو دليلك على ذلك؟”، فاعترف أنه فحصه بقدمه فظهر أنه قمح، فأمروا بقطع إصبع قدمه لأنه أراد أن يعرف شيئًا لا يخصه شخصيًّا[11]!
وأخيرًا وافق على هذا المقترح بعد أن وعده حاكم قرية العلياء شخصيًّا بإحضار أمتعته، وأضاف: “علَيّ أن أبقى هنا يومًا أو يومين حتى يكتمل وصول الحُجَّاج إلى الأراضي السعودية وأستقبلهم، وبعد ذلك سوف أتوجه إلى مَكَّة للمشاركة في موسم الحَجّ”.
قد يوَدّ قراء هذه المذكِّرات معرفة ماذا كان مصير كفن الحاجّ داداش، وكيف كان وعد حاكم القرية. في يوم عيد الأضحى تحديدًا وبعد أن انتهى الحُجَّاج من نحر الأضاحي وفرغوا من أداء صلاة الظهر والعصر في خيمة إمارة الحُجَّاج الكبيرة في مِنى، التي كان يرفرف فوقها علم إيران، ويؤمّ المصلين آية الله الحاجّ ميرزا خليل كمره اي، قَدِم حاكم القرية إلى الخيمة الكبيرة المخصَّصة لأمير الحُجَّاج الإيرانيين في مِنى وقدَّم كيسا كبيرًا مختومًا يحتوي على الأمتعة التي بَقِيَت في السيارة، ورفع الحاجّ داداش يديه شاكرًا لله وأخرج الكيس الذي يحتوي على قطعة القماش تلك من داخله وحمله إلى خيمته. وهنا لا بد أن أشير إلى أنه بعد عودة داداش من مِنى إلى مَكَّة وبداية ليلة الجمعة، تَوَجَّهَت هيئة الإشراف على الحُجَّاج إلى المسجد الحرام، وكان المرحوم الحاجّ داداش من بين الصائمين لذلك اليوم، وبقي في المسجد الحرام يدعو الله حتى صباح اليوم التالي، وعندما كان في طريق العودة إلى مقرّ السكن توُفِّي أمام الباب بسكتة قلبية ودُفِن بعد تكفينه في تلك القطعة من القماش، وبعد أربعين عامًا من السفر والترحال، وكما قال محمد علي حزين اللاهيجي: “وصل الرأس المضطرب إلى وسادة الراحة هنا”. وصلت قافلة الحُجَّاج الإيرانيين إلى الرياض بعد ثلاثة أيام من الجهد والمحاولات والصراع مع صحارى وادي نجد الرملية[12].

» الجزء الرابع (الأخير): التوقُّف في الرياض[13]
أُشيرَ في المقالة السابقة إلى صعوبات الطريق التي واجهناها طوال ثلاثة أيام خلال السفر من قرية العلياء إلى الرياض.
آنذاك كانت قوافل الحُجَّاج المتجهة من نجد إلى الحجاز هي ذاتها التي كانت تسلكها قوافل الإبل سابقًا. ولأن كل قافلة تسلك طريقًا مختلفًا في صحارى نجد الواسعة التي تغطِّيها الرمال ولا يوجد بها ماء أو مرعًى على مدّ البصر، وغالبًا ما يهتدي المسافرون بالنجوم، فإن الطرق كانت متعدِّدة، لأن شخصية وطبيعة قائد المركبة تفضِّل تجاوز السيَّارات الأخرى ويكون في المقدِّمة دون أخذ طبيعة الأرض الرملية في الاعتبار، ومِن ثَمَّ يكون لزاما عليهم أحيانًا الانحراف عن الطريق يمينًا أو يسارًا، مِمَّا يعرض سيَّاراتهم للغوص في الرمال والتوقُّف عن الحركة، وكلما حاولوا لخروج غاصت عجلات السيارة في الرمال أكثر.
من حُسْن الحظّ أن برقية أمير قرية العلياء قد وصلت إلى الرياض، وأرسلوا بعض أوناش السَّحْب لاستقبال القافلة الإيرانية ومرافقتها في ما تَبَقَّى من الطريق، وكلما غاصت إحدى السيَّارات في الرمال هبُّوا لمساعدة السائق.
استغرقت الرحلة بين الكويت والرياض ثلاثة أيام بلياليها. كان الجوّ خلال النهار في غاية الحرارة بسبب سطوع الشمس، على عكس الأجواء المسائية التي غالبًا ما تصبح باردة جدًّا. بناء على ذلك، فقد كنا نستريح في المساء من عناء النهار وتعبه. خلال هذه الرحلة التي استمرَّت لمدة ثلاث أيام لم نرَ في طريقنا سوى بعض الخيام السوداء لبادية نجد (بيوت الشعر)، وأحيانًا نمرّ ببعض القرى الصغيرة جدًّا التي حُفِر بجوارها بعض آبار المياه العميقة ويلاحَظ إلى جوارها بِرَك ضخمة يستخدمها عابرو الطريق. كانت الآبار التي حفرَتها شركة النفط “آرامكو” في عدة مناطق مختلفة مجهَّزة بماكينة ومضخَّة لرفع المياه، وكانت البِرَك المجاورة لها نظيفة ونقية، بينما تبدو مياه الآبار التي تُستخدم فيها الإبل والدِّلَاء لرفع المياه ملوَّثة نوعًا ما، وعلى كل حال كانت المياه تُقَدَّم في كل مكان مجَّانًا، وأحيانًا ينادي أحد الأشخاص بأعلى صوته ويعلن أن هذه المياه جهَّزَتها الحكومة السعودية مجَّانًا للمسافرين.
تَنَفَّس الحُجَّاج الصُّعَداء عندما وصلت قافلة الحَجّ إلى الرياض، وبدؤوا دخول المدينة بشكل تدريجي، لأن لديهم ثلاثة أيام ليُزِيلُوا ما اعتراهم من تعب وإجهاد خلال الأيام الماضية، كما كان بإمكانهم تجهيز أنفسهم من أسواق الرياض ودكاكينها بما يحتاجون إليه خلال ما تَبَقَّى من الطريق إلى مَكَّة. ولأنه كان من المقرَّر أن نستقرّ جميعًا في مكان واحد، فقد اقترح أمين الرياض أن تُنْصَب الخيام في أحد الميادين العامَّة الكبيرة وكان رئيس الأمن العامّ وبقية المسؤولين في غاية الجدِّيَّة والحماسة لتيسير جميع سُبُل الراحة وتقديم التسهيلات اللازمة للحُجَّاج والعمل على راحتهم.
أصبحت الرياض عاصمة هذه الدولة منذ بداية الترابط السياسي الكامل بين نجد والحجاز وحكم الأمير عبد العزيز أمير نجد على كلا القسمين، وتأسيس المملكة العربية السعودية، وحينئذ (وقت الرحلة) كانت النهضة العمرانية في بداياتها.
اختار الملك عبد العزيز، منذ بداية تولِّيه زمام الحكم وتأسيس المملكة العربية السعودية، اختار جدَّة التي كانت العاصمة السياسية للحجاز خلال حكم الأشراف، لتكون مقرّ إقامته، بينما اختار نَجْلَه الأكبر الأمير سعود وليًّا للعهد ومحلّ إقامته العاصمة الرياض، وعند تعيين سفير جديد في البلاد يتجه (الملك عبد العزيز) شخصيًّا إلى الرياض ويستقبله في قصر الحكم ويتسلَّم أوراق اعتماده، ومن ثَمَّ يعود إلى مدينة جدَّة.
لنعُد إلى قصَّتنا. استُقبِل أعضاء هيئة الإشراف على الحُجَّاج الإيرانيين في الرياض، وبعد الترحيب بهم دُعُوا إلى مقرّ الضيافة الملكية. ولأن من المهمّ وجودنا مع القافلة، فقد قرَّرْنا بعد التشاور أن نقضي وقت راحتنا ليلًا ونتناول العشاء في الضيافة الملكية، بينما نبقى نهارًا في خيمة إمارة الحُجَّاج، ونتفقد أحوال مواطنينا.
أخبرَنا رئيس التشريفات أن وليّ العهد السعودي الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود سوف يستقبلنا في قصره في صبيحة اليوم التالي، وخلال اللقاء سنسلِّم الرسالة التي نحملها من المسؤولين الإيرانيين. وأضاف رئيس المراسم أن وليّ العهد قد وجَّه رؤساء الأجهزة الأمنية وأمين الرياض بأن يقوموا على خدمة وفد إمارة الحُجَّاج الإيرانيين وتلبية طلباتهم، وأن يجتهدوا في خدمة الحُجَّاج والسهر على راحتهم، كما أبلغوا أعضاء الوفد بأن جميع المتطلبات التي يحتاج إليها الحُجَّاج الإيرانيون ستُلَبَّى في أسرع وقت ممكن، والهدف من ذلك هو تهيئة كل السُّبُل لراحة الحُجَّاج خلال مدة إقامتهم في الرياض التي تستمرّ ثلاثة أيام، وتجهيز ما يحتاجون إليه لِمَا تَبَقَّى من الرحلة إلى مَكَّة أو المدينة، وتَفَقُّد سيَّارات القافلة وضمان سلامتها. وقد أبلغ رؤساء الحملات والمسؤولون بها جميعَ الحُجَّاج بذلك. وقد طُلب من الوعاظ ورجال الدين المرافقين للقافلة أن يبلغوا الجميع، بخاصة الأشخاص الذين تَعَرَّضَت وسائل نقلهم خلال الطريق للعطل، أو أولئك الذين لا يزالون يعانون التعب والإرهاق بسبب الرحلة، أن يطمئنُّوا بأنه بعد الوصول إلى الرياض فإننا سوف نكون في جدَّة ومَكَّة قبل يوم السادس أو السابع من ذي الحجة، وسوف يؤدِّي الجميع مناسك الحَجّ إن شاء الله.

» التعاوُن الجماعي
كما أشرنا في الجزء الأول، يتكوَّن وفد إمارة الحُجَّاج من ممثِّلين عن وزارات الخارجية، والداخلية، والأمن العامّ، والمدير العامّ للأوقاف، والصحة، وممثل رئيس الوزراء الذي كان أيضًا المسؤول الماليّ للوفد، كما ضمّ الوفد شخصيات معروفة من العلماء الأعلام والوُعَّاظ والخطباء، ولأن هذه المهمة الرئيسية تأتي بعد انقطاع في العَلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، فإن التركيز كان مُنْصَبًّا على أداء الإيرانيين مناسك حَجّ ذلك العام بكل يسر وسهولة وبكل احترام، وكذلك تَوَخِّي الحذر في جميع تعاملاتهم مع المسؤولين السعوديين وتَجَنُّب أي نوع من سوء التفاهم والوقوع في الشبهات والخلافات المذهبية، ومِن ثَمَّ كان من الضرورة بمكان أن نتعاون جميعًا، بخاصَّة في ما بين أعضاء هيئة إمارة الحُجَّاج.
لأن (أهداف) هذه الرحلة إيمانية بنسبة مئة في المئة، وتستوجب تَحَمُّل المشاقّ وعناء السفر وحرارة الصيف الشديدة، فمن حسن الحظ أن جميع الأشخاص الذين يجب أن يتمتَّعوا بحسن التعاون والتفاهم في ما بينهم وبسبب المعتقد الديني والإيماني الذي يتمتعون به، كانوا على أُهْبَة الاستعداد للتعاون والتشاور عند بروز أي حالة تستوجب ذلك، ومِن ثَمَّ تُحَلّ بالتشاور والتفكير الجماعي.
تَقَرَّر مقابلة وليّ العهد السعوديّ في صبيحة اليوم التالي، لذا فقد اجتمعنا بعد تناول وجبة العشاء وتبادلنا وجهات النظر حول ما يجب مناقشته مع وليّ العهد السعودي، وقرَّرنا في نهاية المطاف مناقشة المسائل التالية مع سموه:
أولًا: الحديث عن الأُخُوَّة الدينية والخدمات العظيمة التي قدَّمها العُلَماء والفُقَهاء الأَجِلَّاء في إيران منذ بداية ظهور الإسلام في ما يتعلق بالتعريف بهذا الدين السماوي المقدَّس ونشره بين سائر الأمم والملل، القريبة منهم والبعيدة. ويُشار إلى الكتب والمصنفات التي ألَّفوها في العلوم والمعارف الإسلامية كافَّة.
ثانيًا: نقدِّم الشكر الجزيل على حسن الاستقبال وكرم الضيافة الذي حَظِي به الحُجَّاج الإيرانيون. وفي نهاية اللقاء نقدِّم الهدايا التي أحضرناها من إيران، ونطلب منه إصدار أمر خاصّ بتقديم التسهيلات في ما تَبَقَّى من طريق الحُجَّاج الإيرانيين، لأنهم بسبب صعوبات الطريق قد يتأخرون عن الموعد المحدَّد لوصولهم إلى مَكَّة، مما قد يَحُول دون تمكُّنهم من أداء مناسك الحجّ.
في صبيحة اليوم التالي جاء إلينا رئيس المراسم الملكية وأرشَدَنا إلى القصر الذي يوجد به مكتب وليّ العهد السعودي.
انتهى

[1]
 ابو الفضل حاذقى، کشته شدن ابوطالب یزدی وبقیه وقایع (1)، خاطرات وحيد، شماره 6، (1351/1972) صص 15-18.
[2]
 الحج: 25.
[3]
بيان تنفيذ الإعدام، ونُشر ذلك في صحيفة أم القرى الرسمية، العدد 990، الجمعة 20 ذي الحجة، 1362ه، ص3:بلاغ رسمي، رقم 82، جريمة مُنكَرة - ألقت الشرطة القبض في بيت الله الحرام في يوم 12 ذي الحجة 1362 على المدعوّ عبده طالب بن حسين الإيراني من المنتسبين إلى الشيعة في إيران وهو متلبس بأقذر الجرائم وأقبحها وهي حمل القاذورات (العذرة) وهو يلقيها في المطاف حول الكعبة المشرَّفة بقصد إيذاء الطائفين وإهانة هذا المكان المقدَّس، وبعد إجراء التحقيق بشأنه وثبوت هذا الجرم القبيح منه فقد صدر الحكم الشرعي بقتله، وقد نُفِّذ حكم القتل فيه في يوم السبت 14 ذي الحجة 1362، ولذا حُرّر.
[4]
 منطقة تجريش، جزء من منطقة شميران، كانت ضاحية مستقلّة، والآن أصبحت جزءًا من طهران الكبرى، تقع في الجهة الشمالية من مدينة طهران، وعُرفت أيضًا بسبب أسواقها التجارية (سوق تجريش). كانت من المناطق التي يقطنها الأثرياء، وكانت تُعتبر أيضًا منطقة سياحية لاقترابها من مرتفعات البرز، خصوصًا خلال الحقبة البهلوية. (المترجم).
[5]
 ابو الفضل حاذقى، مقدمات عزيمت بسوى مكه (2)، خاطرات وحيد، شماره 7، (1351/1972) صص 36-39.
[6]
 المهر هي التربة الحسينية من طين مجفَّف بالشمس يؤخذ من أرض كربلاء يسجد عليه المسلمون الشيعة في صلاتهم. (المترجم).
[7]
ابو الفضل حاذقى، از كويت به رياض (3)، خاطرات وحيد، شماره 8، (1351/1972) صص 38-41، 55.
[8]
 أعتقد أن حُجَّاج هذه القافلة الإيرانية هم من الإيرانيين المقيمين في الكويت أو العراق، لأن جميع الحُجَّاج القادمين من إيران -كما ذكر الكاتب- تَحرَّكوا معًا من إيران، وخط سيرهم وبرنامجه مرهون بالهيئة الإشرافية على الحُجَّاج والوفد المرافق. (المترجم).
[9]
 وَفْقًا لفقه المذهب الشيعي فإن الشيعة يؤدُّون صلاتَي المغرب والعشاء جمعًا دون قصر في وقت صلاة المغرب. (المترجم).
[10]
 أي إنه مُسح بها على أحد أضرحة الأئمة أو الصالحين وكسبت بركة المكان، وَفْقًا للمعتقَد السائد في إيران وبعض الدول الأخرى.
[11]
 لا أعلم مدى دقة هذه الرواية، وإن كنت أعتقد أنها تأتي في إطار الصور النمطية أو مجرَّد محاولة طمأنة ذلك الحاجّ بأن أغراضه الشخصية سوف تصل إليه دون المساس بشيء منها. (المترجم).
[12]
 محمد علي بن أبي طالب اللاهيجي الأصفهاني المعروف بـ"حزين اللاهيجي"، وُلد في أصفهان عام 1692م، وأقبل على العلم في صغره حتى أصبح أحد أشهر حكماء ومتصوفة أصفهان، ونَظَم الشعر وأبدع فيه، وله ديوان بالفارسية. له كثير من المؤلَّفات في أبواب متعددة من العلوم التي اشتهر بها عصره، وألَّف كتابًا عن سيرته بعنوان "سيرة الشيخ حزين بقلمه" بالفارسية. توُفِّي سنة 1766م في مدينة بنارس الهندية، وبها دُفن. (المترجم).
[13]
 أبو الفضل حاذقى، توقف در رياض (4)، خاطرات وحيد، شماره 16،(1351/1973) صص. 22- 24.
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير