المبيت على جوانب الطرق السريعة.. حياةٌ على هامشٍ بعيدٍ عن الأنظار

https://rasanah-iiis.org/?p=6162

المبيت على جوانب الطرق السريعة ظاهرة لا يقلّ عمرها عن نظيراتها من أمثال المبيت في القبور والكراتين، فمنذ سنوات طويلة تحولت المناطق التي تشهد ازدحامًا قليلًا في طهران إلى مسكن ومكان يبيت فيه المتشردون، فأي مكان أفضل من المبيت على جوانب الطرق السريعة حيث تنتشر حواجز الحماية، ولا تتجرأ أو لا تبالي قوات جمع المشرَّدين باقتحام هذه الأماكن لجمع المتشردين والمدمنين “المجاهرين”؟ لذا تبقى هذه الأماكن لفترة، ولو قصيرة، ملاذهم الآمن.
ويشكل الذين يبيتون على جوانب الطرق السريعة، حسب تقرير لموقع “راديو زمانه”، جزءًا من الصورة المظلمة لساكني مدن الصفيح، وتُعتبر مدن الصفيح ظاهرة متنامية، والإحصائيات الصادرة عن عدد سكّانها صادمة، وتدقّ هذه الظاهرة منذ فترة طويلة ناقوس الخطر بشأن انتشار الأضرار الاجتماعية في إيران، وسبق أن صرح مستشار وزير الداخلية الإيراني بهمن مشكيني بأن 11 مليون شخص يعيشون في مدن الصفيح، وأكثر من 7 ملايين شخص يعيشون في الأحياء الفقيرة، أي إن لدينا في المجمل 18 مليون شخص يعيشون في البيوت والمساكن العشوائية التي تحيط بهوامش المدن الكبيرة.

الطرق السريعة.. ملاذات بعيدة عن الأعين
تُعتبر الطرق السريعة العشرة الأهمّ في طهران(بابايي، وجمران، وحكيم، وهمّت، ومحلاتي، ومدرس، وشيخ فضل الله نوري، ونيايش، والإمام علي، وآية الله كاشاني) من أفضل الملاذات للذين يبيتون على جوانب الطرق السريعة، فجوانب هذه الطرق لا تكون مزدحمة ولا تخضع لإشراف جهات حكومية، وليس بالقرب من جوانب هذه الطرق شقق سكنية، ومِن ثَمَّ لا يوجد من يحرص على جمالية المنطقة التي يسكنها أو يقلق من إمكانية تسرُّب هذه الأمراض الاجتماعية إلى أهالي المنطقة، وتغطي الشجيرات والأشجار جوانبها، ولا ينتبه السائقون الذين يمرون بسرعة كبيرة منها للحياة التي تجري هناك في الخفاء.
وبين حين وآخر يحدث ما يعكر صفو هذا الهدوء والنظام، إذ يجب أحيانًا ترك الملاذ لجمع النفايات أو شراء المخدّرات، عندها يجب القفز من فوق حواجز الحماية والانتقال إلى الطرف الآخر من الطريق السريع، وإذا لم ينتبه السائق للمتشرد الذي يرتدي ملابس بالية فمصيره الموت.
مرّ السائقون الذين يعبرون هذه الطرق بتجارب عديدة واجهوا فيها سكان هذه المناطق يعبرون أمامهم في ساعات الصباح الباكر وفي أوقات متأخرة من الليل، ولكن إدارة الحوادث المرورية لم تقدّم حتى الآن أي إحصائيات حول عدد المشرَّدين الذين يلقون حتفهم أو يتعرضون للإصابات جراء حوادث مرورية على هذه الطرق، ومع ذلك يفيد عدد من التقارير بأن حوادث السير التي تحدث بسبب هؤلاء المشرَّدين تشكّل ثالث أخطر معضلة مرورية حقيقية في طهران، بعد الازدحام المروري وتلوُّث الهواء.
وعلى الرغم من مرور سنوات على الحياة التي يعيشها المشرَّدون في طهران على جوانب الطرق السريعة، وداخل الجداول المغطّاة، وتحت الجسور، وفي الحدائق العامّة، فإن غياب التنسيق بين الأجهزة التنفيذية، على غرار البلدية والشرطة، فضلًا عن تنفيذ حملات مفاجئة مستعجلة وغير مدروسة، أدَّى إلى تنامي هذه الظاهرة في مختلف مناطق المدينة، وأسهم في اتّساع رقعة أبعادها.
لا تتبنى السلطة في إيران نظرة تنمّ عن الشعور بالتعاطف والمسؤولية حيال قضية ساكني مدن الصفيح والمدمنين المتشردين، ومن ذلك التصريحات الصادرة عن أبو الفضل رضوي، وهو مساعد الرئيس لشؤون تنمية القرى والمناطق المحرومة، إذ قال العام الماضي: “عندما ننظر إلى آفة ساكني مدن الصفيح نجد أن هذه المشكلة لم تُسفِر عن شيء سوى أنها كلفت النظام ثمنا باهظا”.
وبسبب هذه النظرة السائدة نجد أن شنّ حملات لجمع هؤلاء “المُخِلِّين بالانضباط”، على حدّ تعبير هذا المسؤول، قد فاقمت أبعاد هذه المعضلة السلبية.

تكتيك الكمَّاشة في طهران
يُعَدّ المشروع الذي يُدعَى “مشروع انضباط المدن بمشاركة المواطنين” أحد أسباب انتشار المشرَّدين والمدمنين في شتَّى أرجاء مدينة طهران، هذا المشروع الذي دُشِّنَ عام 2015 بتكلفة 250 مليار تومان (ما يعادل 65 مليون دولار تقريبًا) في بلدية المنطقة 12 في طهران.
ويعمل المشروع على تحسين ثلاثة قطاعات: الاجتماعي، والمروري، والبنيوي، وذلك من خلال جمع المدمنين “المجاهرين” والمشرَّدين، والعمل على إيجاد تغييرات في صورة المدينة من خلال هدم المباني المتهالكة، بالإضافة إلى تطبيق القوانين المرورية، وقد عمل عمدة طهران محمد باقر قاليباف، عندما كان قائدًا لشرطة طهران، على تطبيق هذا المشروع في حارة “خاك سفيد” في طهران، ولكن بطريقة أخرى حاول قاليباف الذي كان يرى أن “الحياة توقفت في أجزاء من منطقة 12 ومنها حارة هرندي” هذه المرة اعتماد أساليب بوليسية بصبغة ثقافية في هذه المنطقة، في الوقت الذي تجاهل فيه تمامًا جوهر المشكلة هناك، وواجه قاليباف انتقادات عديدة حول هذا المشروع الذي طبّقه في حارة “خاك سفيد”، ومنها أن اقتحام الحارة وإغلاق بعض بؤر المشكلات واعتقال وإعدام أشخاص عدة، أدّت بعدد كبير من سكان هذا الحي إلى مغادرة المكان والعيش تحت الجسور وفي المقابر وعلى حوافّ الأنهار، بدلا من نقلهم إلى مراكز التأهيل أو تلقِّيهم إعانات مالية.
وعلى الرغم من كل هذه التساؤلات المطروحة حول جدوى المشروع في حارة هرندي في منطقة 12 بطهران، فإن عملية جمع المدمنين المشرَّدين من الشوارع لم تشمل الجميع، بل اقتصرت على عدد منهم.
وقد قال نائب عمدة طهران للشؤون الاجتماعية والثقافية: “لا نسعى للتعامل مع المدمنين بطريقة تجبرهم على الانتقال إلى المناطق المجاورة أو الانتشار في المدينة، بل نهدف، بالتنسيق مع الجهات المعنية، إلى نقلهم إلى مراكز علاج الإدمان من خلال خطط مدروسة وتدريبهم بشكل يؤهلهم للعمل وكسب المال”، وهي تصريحات يكذّبها تنامي أعداد المدمنين المنتشرين في المدينة.
وعلى أثر تنفيذ هذا المشروع أعلن أعضاء “المجالس المساندة” في المناطق التي تقع بالقرب من المنطقة 12، وهي المناطق 10 و11 و13 و14 و15 و16 و17، في تقارير لهم، ارتفاع نسبة المدمنين في مناطقهم.
وعلى الرّغم من أن بلدية طهران قدّمت إحصاءات عن نِسَب المشرَّدين الذين جرى إيواؤهم في مراكز “بهاران” التابعة لبلدية طهران، كما أعلنت أن هذه المراكز تستضيف حاليًّا خمسة آلاف شخص، فإن عددًا من أعضاء مجلس مدينة طهران، ومنهم أبو الفضل قناعتي، عضو لجنة العمران والمواصلات في المجلس، صرّح لصحيفة “دنياي اقتصاد” بأن عددًا من المدمنين تركوا هذه المراكز واستقروا في الأحياء غير المزدحمة في المدينة لأنهم لم يتمكنوا من العودة إلى حارة هرندي.
وستتضح هذه الحقيقة أكثر عندما نعلم أن 150-200 ألف ممَّن يبيتون في الكراتين كانوا يعيشون في المنطقة 12 في طهران، وقد كشف عباد الله فتح إلهي، مدير منظَّمة إعادة التحديث في بلدية طهران، عن هذه الإحصائية في حوار له مع موقع وزارة الطرق وبناء المدن في 2 نوفمبر 2015.
وعلى الرغم من أن بضع منَّظمات تتصدى للتعامل مع المشرَّدين، فليس واضحًا ما الجهة التي تتولى تنظيم أوضاع المشرَّدين الرئيسية، هل هي الشرطة أم البلدية أم مؤسَّسة الرعاية الاجتماعية؟ ومن غير الواضح أيضًا ما الجهة التي عليها وضع خُطَّة لتحسين ظروف هؤلاء في المستقبل وتوفير إمكانيات الرفاهية وفرص العمل ومراكز إعادة التأهيل لهم، لهذا صرّح رئيس اللجنة العمرانية في مجلس مدينة طهران إقبال شاكري، لصحيفة “جهان اقتصاد”، بأن المدينة تعاني الأضرار الناجمة عن السياسات المجتزأة وغياب التنسيق بين الأجهزة المعنية بمكافحة الأمراض الاجتماعية، وعلى حدّ قوله فقد عُقدت عشرات الجلسات المشتركة بين مسؤولين في الشرطة ومنظَّمة الرعاية الاجتماعية وإدارة المدينة والسلطة القضائية، وكل هذه الأجهزة على علم بتفاصيل الأمور، ولكن من حيث أنّ التنسيق معدوم فإن أي تَدَخُّل لمعالجة الوضع هو لفترة وجيزة فقط، ولا يقدِّم أيّ حلول تُذكَر.
وحتى يأتي الوقت الذي يجري فيه التنسيق بين الأجهزة المعنيَّة بالشكل الصحيح، فإن المشرَّدين في طهران لن يجدوا مكانًا أكثر أمنًا من جوانب الطرق السريعة.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير