كيف أدت سنوات الاضطرابات العمالية إلى الاحتجاجات الأخيرة؟

https://rasanah-iiis.org/?p=10572

ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تقرير لها، أن “موجة من الاحتجاجات اندلعت في جميع أنحاء إيران بداية من يوم 28 ديسمبر 2017، واتسعت أفقيًّا بصورة غير مسبوقة، إذ شهدت 75 مدينة مظاهرة واحدة أو أكثر خلال الأسبوع الأول”. وعن الأسباب التي أدَّت إليها قالت الصحيفة: “لقد وقف خلف هذه الاحتجاجات مجموعة من الأسباب، أهمها إعلان عدد من البنوك غير الرسميَّة إفلاسها وضياع أموال المودعين، بجانب ارتفاع أسعار السلع والوقود وتردِّي الأوضاع المعيشية، ناهيك بالفساد في الميزانية”.
“واشنطن بوست” أشارت كذلك إلى أن “هذه المظاهرات سبقها عديد من الإرهاصات والمسيرات المحدودة التي نفّذها المعلمون والعمال ونقابات العمال وجمعيات المجتمع المدني، ولفهم أدقَّ للمشهد بشكله الكُلِّي تجدر الإشارة إلى هذا الواقع الذي سبق الموجه الاحتجاجية الأخيرة”، وأضافت: “الاضطرابات العمالية التي وقعت في إيران في الفترة بين عامَي 2012 و2016، حسب المعلومات التي وردت في الصحف المحلية الموثوقة التي تضمنت أخبارًا عن هذه المظاهرات، تم التعامل معها بتحديد الاحتجاجات (أي تجمع لـ10 أشخاص أو أكثر) وتوثيق المواقع والتواريخ والجهات الفاعلة ذات الصلة بها، وكيفية تعامل رجال الشرطة معها. وشملت قاعدة البيانات: احتجاجات معلمات ومتقاعدين وعمال عاطلين عن العمل، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، مع العلم بأن سنوات الاحتجاج، بخاصَّة موجة الاحتجاجات الأخيرة، أظهرت بعض الفئات الأخرى”.

ما الدافع وراء هذه الاحتجاجات؟
اعتبرت الصحيفة أن “البعض يحيل الاحتجاجات التي حدثت في 2016 و2018 إلى المظالم الاقتصادية، غير أن الباحثين في حركات الاحتجاج ذات الطابع الاجتماعي لاحظوا منذ وقت طويل أنه لا علاقة مباشرة بين التدهور الاقتصادي والسخط العامّ والاضطرابات السياسية والتعبئة الجماعية، فالاحتجاج لا يحدث بالضرورة -أو حتى في العادة- عندما يكون الاقتصاد في أسوأ حالاته، فثورة إيران عام 1979 وثورات الربيع العربي في عام 2011، واحتجاجات حديقة غيزي في تركيا عام 2013، جميعها جاءت بعد طفرة في النمو الاقتصادي، وفى إيران خلال الفترة من 2016 إلى 2017 ارتفع الناتج المحلي الإجمالي غير النِّفْطي بمعدَّل 6%، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا النمو لم تتحقق معه العدالة في توزيع ثماره، بل وُزّع بين الطبقات والفئات الاجتماعية بشكل غير متساوٍ”، وتابعت: “لقد استهانت تحليلات أخرى بموجة الاحتجاج الأخيرة، وأشارت إلى أنها غير منظَّمة وأنها تنتشر في المحافظات بلا قيادة، لكن المحتجين على الأرض يفيدون بأن كثيرين لا يستطيعون فهم المعنى الكامل وراء المظاهرات، وهذا لا يعني أن موجة الاحتجاج الإيرانيَّة الأخيرة ليست مهمَّة، لأن الاحتجاجات، حسب المختصين، لا تزال تؤثِّر على الأقوياء، وإن كانت تفتقر إلى شبكات موجودة مُسبَقًا أو لديها اتفاق كامل على المظالم والمطالب”.
تضيف “واشنطن بوست”: بأن “القوة المؤثرة للاحتجاج تنبع من مبدأ أن الصراعات الشعبية تسعي لتغير ما هو مسموح به أو مقبول، وتتحدى القوانين أو الممارسات السائدة التي تسمح بها السلطات في العادة، وإن لم يكُن جميع المشاركين في الاحتجاجات الأخيرة مصرّين على إسقاط النِّظام فإن معظمهم ربما رأوا أو سمعوا أن الاحتجاجات العامَّة قد انتقلت إلى المدن والبلدات القريبة رغم القيود المفروضة من النِّظام”.

الشكل البياني 1: مؤشّر الاحتجاجات العمالية في إيران 2012-2016

الاحتجاجات تبتعد عن العاصمة
الصحيفة تذكر أن “هذه الأرقام لا تشمل الاحتجاجات الأخرى التي اندلعت بسبب مشروعات الأراضي أو الإسكان أو المياه أو المحليات. ومع ذلك، يظهر أمر آخر مثير للدهشة في هذه البيانات. فكما هو مبين في الشكل 2 انخفضت نسبة الاحتجاجات في طهران بالمقارنة مع بقية المدن في البلاد. وهنا يمكن القول أن الاحتجاجات الاجتماعية في إيران تزداد منذ سنوات وتنتشر خارج طهران وتشمل كافة أرجاء إيران”.

الشكل البياني 2: نسبة الاحتجاجات العمالية في إيران خارج مقاطعة طهران 2012-2016

قدرة إيران على المساومة المحلية مع المتظاهرين
الصحيفة أكَّدت أنه “من خلال دراسة هذه الاحتجاجات بالتفصيل نجد أن الاحتجاجات العمالية نادرًا ما تنتهي بالعنف، ففي معظم الحالات كانت الشرطة المحلية تحاول إبعاد المتظاهرين عن الشوارع والتفاوض مع مسؤولي الدولة حول قضايا محددة. وقد دُرّب رجال الشرطة في جميع أنحاء البلاد على تكتيكات السيطرة على الحشود منذ معارك الشوارع عام 2009، بعد التنازع على الانتخابات الرئاسية في ذلك العام”، وأضافت: “في أغسطس 2016 على سبيل المثال تجمعت فئات مختلفة من المتظاهرين -بمن فيهم ضحايا احتيال البنوك وخريجو الجامعات التقنية ومعلمو رياض الأطفال- أمام مبنى البرلمان في طهران، وكانوا يحاولون الوصول إلى الداخل مِمَّا أدَّى إلى كسر الباب الأمامي نتيجة تدافعهم. وتدخلت الشرطة لكنها لم تهاجمهم، وحُدّد للمتظاهرين مواقع للتجمُّع حول البرلمان حيث جلس البعض حتى سُمعت مطالبهم”. وأكملت “واشطن بوست”: “وقد لوحظ تزايد استخدام هذا النوع من المفاوضات بين المحتجين وأجهزة الدولة، وبخلاف قدرة الحكومة الصينية على استيعاب آلاف الاحتجاجات سنويًّا فإن القوى السياسية الإيرانيَّة لم تتمكن من وقف موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي ارتفعت على مدى السنوات القليلة الماضية، لا بالإكراه ولا بالتفاوض. وكما هو الحال بالنسبة إلى الاحتجاجات السابقة التي شهدتها (إيران ما بعد ثورة عام 1979) فإن هذه التعبئة الشعبية تؤثر في توسيع مجال المنافسة بين النخبة داخل المؤسَّسة السياسية في البلاد من أجل التعبير عن هذا الحراك وكسب تأييده”.
وحسب الصحيفة فـ”ما دامت هذه الفصائل السياسية ينافس بعضها بعضًا وتحاول حشد دعم شعبي في المنافسات السياسية المقبلة، فإن الاحتجاجات الشعبية من الداخل قد تؤدي إلى خلق حالات تُضطرّ فيها المؤسَّسة السياسية الإيرانيَّة إلى الرد بطرق مثيرة للدهشة مرة أخرى”.

مادة مترجمة عن صحيفة “واشنطن بوست”

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير