القاعدة تعيد بناء نفسها بفضل إيران

https://rasanah-iiis.org/?p=9676

في تقرير نشرته مجلة “ذي أتلانتيك”، أوضح الكاتبان أدريان ليفي وكاثي سكوت-كلارك طبيعة العلاقة بين إيران والقاعدة، مشيرَين إلى أن آخر معسكرات داعش سقطت بسرعة خلال الأسابيع الأخيرة، على يد التحالف المدعوم من الولايات المتَّحدة، بجانب الإطاحة بعاصمة الخلافة المعلنة (الرقة) خلال الشهر الماضي، ثم استعادت القوات السورية المدينة الاستراتيجية دير الزور الغنية بالنِّفْط، وفي حين كانت محاولة تنظيم داعش بناء دولة قائمة على الاغتصاب والرق والإعدام تقترب من نهايتها أعادت جبهة إرهابية قديمة بناء نفسها بهدوء. وعلى الرغم من كل المصاعب، وعلى الرغم من شنّ الغرب أكثر الحملات تكلفة لمكافحة الإرهاب على الإطلاق، فقد ازدهرت القاعدة وعادت إلى سابق عهدها بعد إبرامها اتِّفاقًا مهمًّا مع إيران. التقرير الذي نشرته المجلة أفاد أيضًا بأن الرئيس ترامب ركَّز مؤخرًا على هذه العلاقة لتسويغ إلغاء التصديق على الاتِّفاق النووي مع إيران، وفي خضمّ مواجهة المعارضة الأوروبيَّة الساحقة لهذه الخطوة، أوضح مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكيَّة مايك بومبيو أن علاقة تنظيم القاعدة بإيران لم تعُد “سرًّا يخفى على أحد”، خصوصًا خلال فترة إدارة أوباما التي فشلت في التصرُّف حيال الأمر.
» القاعدة والبحث عن مخبأ آمن
خلال الأسبوع الماضي كشفت وكالة المخابرات المركزية مجموعة جديدة من الوثائق الدفينة من غارة عام 2011 التي أسفرت عن مصرع أسامة بن لادن في مخيمه في أبوتآباد بباكستان، ويبدو أن تفريغ هذه الوثيقة الذي سيستغرق سنوات لتصنيفها وتحليلها يؤكّد تفاصيل العلاقة بأمور أخرى، وكيف أن حمزة بن أسامة بن لادن كان محجوزًا في إيران، بل وتَزوَّج هناك، وكيف أن المفاوضات بين تنظيم القاعدة والحرس الثوري في طهران -حسبما ذُكر في وثيقة واحدة تتكون من 19 صفحة- تطرقت إلى تمويل وتسليح جماعة إرهابية حتى تتمكن من ضرب الأهداف الأمريكيَّة. التقرير أفاد كذلك بأن عديدًا من المعلّقين -بمن فيهم المعلقان في هذه الصفحات- رفضوا هذه العلاقات المزعومة باعتبارها مُبالَغًا فيها، وباعتبار أن البيت الأبيض وحلفاءه قد خطَّطوا لها لتبرير الموقف العدائي للإدارة تجاه إيران. مع ذلك فإن الأدلة الجديدة الهامَّة، بما في ذلك المقابلات مع كبار أعضاء القاعدة وأسرة أسامة بن لادن، التي جمعها المؤلفون على مدى السنوات الخمس الماضية، تروي تاريخًا مدهشًا لحقبة ما بعد 11/9، وهي تُضعِف بشدة وجهة النظر التقليدية.
وأضاف الباحثون أيضًا أن البحث يفيد بأن تنظيم القاعدة والعملاء السريين الذين يعملون لصالح الدولة الإيرانيَّة العميقة قد حاولوا أولًا التوسُّط في الوصول إلى اتِّفاق بعيد المنال بعد أكثر من عقدين من الزمن، وبعد أن رفض نظام صدام حسين طلب القاعدة المساعدة العسكرية. ثم ازدهر الاتِّفاق تحت إدارة جورج بوش عندما فتحت قناة خلفية من البيت الأبيض إلى طهران، من عام 2001 إلى عام 2003.
وقد جاءت معاناة تنظيم القاعدة بعد الحرب على أفغانستان في الثاني عشر من نوفمبر 2001 عندما قرَّر أسامة بن لادن التوجه إلى في تورا بورا، فوَفْقًا لِمَا ذكرته أسرة بن لادن فإنه قال لزوجاته بلهجة مودِّع إنه يريد أن يعيش أطفاله حياة مختلفة. وكان قال لزوجته الثالثة في حوار سمعه بعض أطفاله: “أرجوك لا تشجعيهم على الانضمام إلى هذا الجهاد”. وفي حين تَوَجَّه بن لادن إلى منطقة الكهوف وهُرّبَ معظم عائلته إلى باكستان، توجه أحد أهم المسؤولين في القاعدة إلى إيران.
ووَفْقًا للتقرير أصبح محفوظ بن الوليد، وهو باحث موريتاني متعصب صاحَبَ أسامة بن لادن عقدًا من الزمن قبل عام 2001، شخصيَّة محورية في مجلس قيادة القاعدة ورئيس لجنة الشريعة (القانونية). وعندما بدأ محفوظ رحلته إلى تفتان كان مُدرَجًا في قائمة العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة، وكان مطلوبًا عند مكتب التحقيقات الفيدرالي للاستجواب حول تورُّطه في إدارة الخدمات اللوجيستية لهجمات عام 1998 على السفارات الأمريكيَّة في شرقيّ إفريقيا.
وكان قد هرب قبل لحظات فقط من هجوم وكالة المخابرات المركزية على منزله في السودان في عام 1998، وظلّ هاربًا من ذلك الحين. وفي حين كانت تتوجه به الحافلة إلى الحدود الإيرانيَّة أعرب محفوظ عن أمله في توفير ملاذ دائم لقادة القاعدة وأسرة بن لادن.
» مقاتلو القاعدة يديرهم حزب الله
أشار التقرير إلى أن لإيران حدودًا مشتركة مع بلوشستان في باكستان بالقرب من المكان الذي يختبئ فيه عديد من المقاتلين وأفراد أسرة بن لادن. وكان محفوظ زار الخليج العربي سابقًا، إذ أرسله بن لادن في عام 1995 لكسب دعم عسكري للقاعدة. وكان محفوظ زار العراق قبل ذلك، وقد رفض صدام حسين طلبه، إلا أنه في إيران كانت قوة القدس (وحدة سرية داخل الحرس الثوري المسؤول عن السياسة الخارجية السرية) مستعدة للقيام بذلك.
وكان من المقرر تقديم تدريب عسكري متقدِّم، إذ دعا مقاتلو القاعدة في عام 1995 إلى حضور معسكر يديره حزب الله برعاية قوة القدس الإيرانيَّة في منطقة البقاع في لبنان، وكان المدربون هناك يبحثون عن كيفية تصنيع “قنابل يدوية” (عبوات ناسفة قوية يمكن أن تخترق الدروع) وإحداث فوضى في صفوف القوات الأمريكيَّة في العراق.
وأفادت تصريحات مسؤولين أمريكيّين كبار عملوا في ذلك الوقت على شؤون جنوب آسيا وأفغانستان في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، بأن وزارة الخارجية الإيرانيَّة تخشى أن تدير الولايات المتَّحدة عتلتها الحربية نحو إيران بعد أن انتهت من غزو العراق، لذلك بدأت حينها ببناء دعم دولي وصل إلى الأمريكيّين أنفسهم.
وأضاف التقرير أن قوة القدس كانت تراهن على أن قادة آخرين من تنظيم القاعدة سيَخْطُون خُطَى محفوظ ويلتمسون المأوى في إيران، وعلى هذا الأساس اقترح مسؤولون إيرانيُّون تقديمهم للأمريكيّين وسيلةً لإنهاء الاتِّفاق. وأشار المسؤولون الأمريكيُّون المشاركون في هذه المحادثات إلى أن إدارة بوش قد انحسرت، إذ أقنع الرئيس إيران بما يُسَمَّى قوى “محور الشرّ” في خطاب حالة الاتِّحاد في يناير 2002.
وجاءت الموجة التالية في وقت مبكِّر من صيف عام 2002 عندما وصل كبار قادة القاعدة إلى إيران حيث كانوا ينوون البقاء وتعزيز قوتهم. وقد أشرف على التنظيم أبو مصعب الزرقاوي وسيف العدل وأبو محمد المصري وأبو مصعب السوري، أحد أهمّ الأصوات الاستراتيجية في أثناء هذا التحرُّك.
ووَفْقًا لِمَا ذكره محفوظ فإن المجلس العسكري التابع لتنظيم القاعدة خطَّط لهجومه الأول مباشرة من داخل إيران، وأصاب ثلاثة مجمعات سكنية في المملكة العربية السعوديَّة، مِمَّا أسفر عن مقتل أكثر من 35 شخصًا من بينهم تسعة أمريكيّين في عام 2003.
كذلك أفاد التقرير بأن قوة القدس التي تعرضت لضغوط من القاعدة من أجل السماح لعائلة بن لادن بمغادرة طهران قد سمحت لحمزة ووالدته بمغادرة القاعدة في طهران. ولم تكُن هذه المفاوضات مباشرة في باكستان، حيث لجأت القاعدة إلى اختطاف دبلوماسي إيرانيّ لإجبار طهران على التفكير في ذلك. وكان حمزة وأمه طلبا من قوة القدس إرسالهما إلى قطر حيث كان حمزة يعتزم الدراسة. بدلًا من ذلك أصرَّت قوة القدس على أن يذهبوا إلى باكستان، لتصل والدة حمزة أخيرًا إلى أبوتآباد في فبراير 2011، في حين اختبأ حمزة في المناطق القبلية الباكستانية وكتب إلى والده مرة أخرى. وحسب ما ذُكر في نسخة الرسالة التي شاهدناها فقد أخبر والده بأنه أنجب طفلين من زوجته الورعة مريم، وأنه سمَّى الطفل الثاني باسم والده.
وأخيرًا، في أبريل 2011، بعد أسابيع عديدة من المداولات، سمح القائد العسكري للقاعدة في وزيرستان لحمزة ببدء رحلة إلى أبوتآباد، قبل أيام فقط من الغارة.
حمزة كان قلِقًا فكتب إلى والدته يسألها: “أمي العزيزة، اشرحي لي ما يمكنني القيام به… تعلمين مدى أهمِّيَّة الكتب بالنسبة لي. هل لي أن آخذها معي أم لا؟”، وبعد بضعة أيام جاء ردها قائلة: “من الأفضل أن تسافر خفيف المتاع”.
» استدعاء الجنود القدماء واختباء رأس الهرم
وخلص التقرير إلى أنه في أغسطس 2015، وبعد أن كان تنظيم القاعدة بحاجة إلى انتصار دعائي وسط صعود تنظيم داعش، وجد خليفة أسامة بن لادن أيمن الظواهري منصبًا لحمزة الذي سجل أول البيانات الصوتية السبعة الموجودة الآن. وقد استُغِلَّ شخص يبلغ من العمر 26 عامًا لم يسبق له إطلاق النار في حياته كإعلان، دعائي حسبما ذكر رجال الدين في القاعدة وأفراد عائلته.
وعلى الرغم من ذلك، ظلّ الظواهري المسؤول مختبئًا في باكستان، في حين كانت العمليات العسكرية تتم بقيادة سيف العدل، الذي نقلته قوة القدس إلى منزل آمن في المنطقة التاسعة في طهران.
وفي عام 2016 سُمح لزوجته الحامل أسماء بالمغادرة إلى الدوحة، حيث بقيت مع أفراد عائلة بن لادن الذين رُحّلوا من باكستان. وبعد فترة وجيزة من هبوطهم في الدوحة، فقدت طفلها وطلبت الطلاق، ولم تكُن قادرة على الاعتماد على تحمل فترة أخرى من الجهاد، وهذا بالضبط ما كان يخطط له تنظيم القاعدة.
عندما سقط البرجان ردًّا على الغزو الأمريكيّ لأفغانستان، ثم طغى عليه وجود تنظيم داعش، تمكن تنظيم القاعدة الآن، على الرغم من انقسام قياداته بين إيران وباكستان وسوريا، من بناء نفسه بهدوء لدرجة أنه استدعى عشرات آلاف الجنود القدماء.
وعن طريق الاتِّحاد مع القوات المناهضة للأسد، والحَدّ من قدرة نظام الأسد على التحمُّل، وتخفيف الاندفاع المرتبط بالقاعدة خلال عهد الزرقاوي، وجدت القاعدة في حزب الله وقوة القدس نموذجًا لكيفية تطوره الآن.

المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
المعهد الدولي للدراسات الإيرانية
إدارة التحرير