نهاية “شهر العسل النووي” بين إيران وأمريكا.. تنفيذ “الاتفاق” يصبح أكثر صعوبة

https://rasanah-iiis.org/?p=3931

بواسطةرضا تقي زاده

النقاش والجدل الإعلامي بين كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين عباس عراقتشي ووزير خارجية أمريكا جون كيري حول “التزامات الولايات المتَّحدة وإجراءاتها التطوُّعية لتنفيذ الاتفاق النووي”، يُظهر عدم رغبة واشنطن في اتخاذ خُطُوات تطوعية أكثر تجاه إيران، ويؤكِّد استمرار سياسات طهران الخارجية المثيرة للتحدِّيات في المنطقة، وكل ذلك يشير إلى أن تنفيذ “الاتفاق النووي” سيصبح أكثر صعوبة في الأشهُر المقبلة.

ادّعى جون كيري في حوار مدروس مع صحيفة “فورين أفيرز” الأمريكية يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول أن “أمريكا تجاوزت تعهُّداتها في تنفيذها للاتفاق النووي وبذلت جهودًا مكثفة لتشجيع البنوك للتعامل مع إيران، لكن توجد مشكلات أخرى، منها النظام المصرفيّ والقضايا التجارية والشفافية (وهي إشارة مهذَّبة إلى الفساد المالي والإداري وغسل الأموال وتهريب السلع) التي يجب معالجتها داخل إيران”. ويبدو أن كيري أراد من خلال هذا الحوار إرسال رسالة سياسية مباشرة إلى المرشد علي خامنئي في ظروف تبدو فيها القنوات السياسية المعتمَدة للتفاوض مع طهران تصبح أكثر ضيقًا من السابق.
وانتقد جون كيري في جزء آخر من الحوار الذي كان الهدف من إجرائه أساسًا طرح أسباب استياء واشنطن من طهران، انتقد سلوك إيران في المنطقة، مؤكِّدًا: “نحن نستطيع أن ندعم إيران في مجال نقل التكنولوجيا وأمور أخرى، لكننا نواجه صعوبات جَمَّة في جهودنا لتطوير العلاقات ما دامت إيران متورطة في اليمن وتدعم الأسد وحزب الله اللبناني وتُطلق الصواريخ”.
بعد يومين من هذا الحوار، وفي ردّ على شاشة التليفزيون لعباس عراقتشي على جون كيري، لم نشهد أي مؤشِّر على استعداد إيران للتماشي مع توقُّعات الولايات المتَّحدة في المنطقة، بل كان هناك وبوضوح كامل، إصرار وتهديد بشأن مواصلة النهج الحالي لإيران، إذ يؤكِّد نائب وزير الخارجية الإيراني المحسوب على فيلق القدس: “لا يمكن التفاوض حول الشؤون الأمنية والدفاعية والصاروخية والسياسات الإقليمية للجمهورية الإسلامية (الوجود العسكري في المنطقة والحرب في سورية واليمن و…)، وكذلك الأمور التي تتعلق بمبادئ الثورة الإسلامية وقيمها، وليست لها أساسًا صلة بالمفاوضات النووية”.

» إجراءات أمريكية تَطوُّعية
يدّعي عباس عراقتشي، الذي يعكس وجهة نظر السُّلُطات في إيران حول السلوك الأمريكي بشأن الاتفاق النووي، أن الولايات المتَّحدة لم تتّخذ أي إجراءات تتجاوز التزاماتها فحسب، بل إنها أبدت قصورًا في تنفيذها، غير أن المسؤولين في الإدارة الأمريكية ينفون هذه الادّعاءات.
الحقيقة أن إدارة أوباما، بغَضّ النظر امتلاكها فكرة إيجابية عن إيران ورغبتها في دعمها بصفتها دولة “إسلامية” منبثقة من “صناديق الاقتراع”، بدت عازمة حتى الآن، وبسبب تقديمها الاتفاقَ النووي مع طهران كإنجازٍ عظيمٍ في السياسة الخارجية لإدارته، على أن تفعل ما بوسعها من أجل إنجاح تنفيذ الاتفاق النووي مع طهران.
إنّ صمود الرئيس الأمريكي، الذي كلّف الثمن والوقت، أمام الإجراءات الرادعة للكونغرس، الذي يبدو أنه كان يعارض الاتفاق النووي بشدة، واستخدامه حق النقض لإلغاء العقوبات التي فرضها المشرعون ضدّ طهران، تُعتبر من المساعي التطوُّعية لواشنطن من أجل تقديم الدّعم للحكومة الإيرانية، فضلًا عن ذلك سلّمَت إدارة أوباما في مطلع العام الميلادي الحالي مبلغ 400 مليون دولار بشكل نقدي لطهران في إطار الاتفاق العسكري المعلَّق بعد قيام الثورة.
كما سلّم أوباما، بالتزامن مع دفع 400 مليون دولار، 1.3 مليار دولار لإيران فوائدَ مصرفية وتعويضات عن التأخُّر في تسديد المبالغ المذكورة، الأمر الذي أظهره الحزب الجمهوري وبعض وسائل الإعلام الأمريكية على أنه جزية من أجل إطلاق سراح عدد من الإيرانيين الذين يحملون الجنسية الأمريكية، وهو ما رفضته الإدارة الأمريكية، وأجبر ذلك الرئيسَ الأمريكيَّ على التصريح بأن هذه الأموال دُفعت للحيلولة دون استمرار الدعاوي القانونية ودفع تعويضات أكبر.
بعد أشهُر، وفي أعقاب استياء طهران من عدم رغبة المصارف الكبرى في التعامل مع طهران بسبب قلقها من عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، أعلنت هذه الوزارة في شهر أكتوبر الجاري وفي إطار دليل تجاريّ جديد، أنها ستسهِّل تعامل الشركات التجارية الأجنبية مع إيران، وقد جاء في هذا الدليل التجاري أنه سُمح للبنوك والمؤسَّسات المالية التجارية، التي كانت مُنِعَت سابقًا من التعامل مع إيران، بإبرام بعض الصفقات بالدولار، شريطة عدم دخول هذه الأموال إلى النظام المالي الأمريكي.
وفي خطوة إضافية، رفعت وزارة الخزانة الأمريكية الحظر بشكل كامل عن التعاملات المالية الدولية مع الشركات الإيرانية، التي يسيطر عليها أشخاص يندرجون في قائمة العقوبات الأمريكية.
وتشجيعًا للمصارف الأوروبية للقيام بمعاملات مصرفية مع طهران، أجرى جون كيري وكبار ممثلي وزارة الخزانة الأمريكية مفاوضات ثنائية ومتعددة الأطراف مع حكومات أوروبية وبنوك كبيرة خلال الصيف، ولم تكُن هذه المفاوضات في إطار التزامات تنفيذ الاتفاق النووي إطلاقًا.
مع ذلك لم يفوِّت قادةُ إيران، خصوصًا المحافظين، أي فرصة للهجوم على الولايات المتَّحدة، وأثّروا رويدًا رويدًا على حكومة حسن روحاني لتسير في نفس النهج.

» تغيير نظرة الحكومة
تُظهِر كلمة حسن روحاني في اجتماع الجمعية العامَّة للأمم المتَّحدة في سبتمبر هذا العام تغيير نظرة حكومة طهران في هذا المجال، وذلك مقارنةً بكلمته العام الماضي، إذ كان الاتفاق النووي متَّفَقًا عليه، لكنه لم يكُن قد دخل حيِّز التنفيذ. قال روحاني في جلسة الجمعية العامَّة في العام الماضي: “يُعَدّ الاتفاق النووي الذي وُقِّع عليه مؤخَّرًا، وكذلك رفع العقوبات وفرض القيود على البرنامج النووي الإيراني، أساسًا للوصول إلى التغيير”، وأضاف مؤكِّدًا: “نحن لم نكُن نسعى لإبرام اتفاق نووي فحسب، بل نفكر، بنظرة شمولية، في إيجاد حلول بنَّاءة لإعادة بناء نظام جديد على الساحة الدولية”.
وعلى هامش جلسة الجمعية العامّة ذاتها، أجرى أوباما وروحاني اتصالًا هاتفيًّا ودِّيًّا، ولو سُمِح للرئيس الإيراني وأُعطِيَ الضوء الأخضر، لتمّ اللقاء بينه وبين أوباما.
وفي تَحوُّل ملموس خلال انعقاد الجمعية العامَّة لهذا العام، كان روحاني مُلزَمًا بتفادي مواجهة كبار السياسيين الأمريكيين، وكان توقيت كلمته في اليوم الثالث لانعقاد الجمعية العامَّة قد حُدّدَ بحيث لا يلتقي أوباما “مصادفةً” في ممرَّات الأمم المتَّحدة!
وخلافًا للعام الماضي، انتقد روحاني في كلمته هذا العام الولايات المتَّحدة بشِدَّة، متَّهِمًا إياها بالتقاعس عن تنفيذ التزاماتها إزاء إيران.
وعلى نفس المنهج وتماشيًا مع روحاني، حذّر علي أكبر صالحي، مدير الوكالة الإيرانية للطاقة النووية، خلال الاجتماع العامّ للوكالة الدولية للطاقة النووية في فيينا في أكتوبر الجاري، حذّر بأن عدم رفع العقوبات بشكل كامل سيهدِّد مصير الاتفاق النووي.
وفي حين يبدو أن المسؤولين في إيران مستاؤون إزاء الوضع الراهن النّاجم عن رفع العقوبات، تبحث الدول الأوروبية فرضَ ضغوطٍ أكثر على طهران، فخلال الأسابيع المنصرمة اعتبرت المحكمة العامَّة التابعة لمجلس الاتحاد الأوروبي احتجاجَ الشركة الوطنية الإيرانية لناقلات النِّفْط على عقوبات فُرِضت عليها في عام 2015 مرفوضًا، وأمهلَتها شهرًا للدفاع عن نفسها، في حين يحظى خروج شركة ناقلات النِّفْط الإيرانية من قائمة العقوبات الأوروبية بأهَمِّيَّة خاصَّة في عملية تطبيع تصدير النِّفْط الإيراني إلى أوروبا.
ولَمّح وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون، يوم الأحد 16 أكتوبر الجاري، إلى الوضع المتأزم في سوريا، متوقِّعًا التباحث حول فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران.
وبينما لا تستطيع إدارة أوباما، بل ولا ترغب، القيام بخُطُوات تطوُّعيَّة أكثر تجاه إيران، بسبب عدم تغيير سلوكها في المنطقة وكذلك تصعيد الإجراءات العدائية إزاء واشنطن (منها إصدار أحكام بالسجن لمدة 10 سنوات على 5 أمريكيين من أصل إيراني بتهمة الصداقة أو التجسُّس لصالح الولايات المتَّحدة)، فليس من الصعب التكهُّن بأن موقف الرئيس الأمريكي المُقبِل سيكون أكثر تشدُّدًا إزاء طهران.
في حال فوز هيلاري كلينتون في الانتخابات الأمريكية التي ستجري خلال الأيام القليلة القادمة، فإن الرئيسة الجديدة لن ترغب، في مستهَلّ عملها، في مواجهة الكونغرس الذي ستبقى الأغلبية في أحد مجلسيه (مجلس النواب)، حسب التوقُّعات، بيد الحزب الجمهوري، وذلك في سبيل الحفاظ على الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع طهران.
لا شك أن الاتفاق النووي سيبقى لأشهُر بعد الانتخابات الأمريكية، وثيقةً تنفيذيَّةً، وذلك على الأقَلِّ لأن طهران فقدت أدوات المساومة والضغط ومضطرَّة إلى الاستمرار في الوضع الراهن بعد تسلميها احتياطي اليورانيوم المخصَّب وإغلاق مفاعل فوردو وإغلاق مفاعل أراك للماء الثقيل بشكل تامّ.
العامل المؤثِّر الذي سيصعِّب تنفيذ الاتفاق النووي خلال الأشهُر المقبلة والذي يخصّ الالتزامات والإجراءات التطوُّعية الغربية، هو إصرار إيران على الاستمرار في سياساتها الخارجية المثيرة للتوتُّر في المنطقة التي يهيمن عليها العسكريون في السُّلْطة الإيرانية، ولم تلعب حكومة روحاني فيها سوى دور المتفرج القَلِق.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي المركز

رضا تقي زاده
رضا تقي زاده
محلل سياسي ومتخصص في الشؤون الإيرانية